29‏/9‏/2016

منشــورات قــديمة

مجموعة من مقالات نشرت في عدة صحف ليبية
تحت عنوان رئيسي حديث الميدان

كرة الثلج.
لاشك إن نسبة كبيرة من الليبيين إلى الوقت القريب كانت لا تضع اللوم كله على مؤسسات الدولة بعد الثورة، وكانت توزع نسبة المسئولية على كثير من الظروف والملابسات التي تقع مع كل حادث أو ممارسة خاطئة هنا أو هناك.
ورغم ما يظهر على سطح الحالة الليبية من عدم ثقافة واسعة، وحراك سياسي سليم في أوساط الشعب الليبي، لكن لا يمكن أن نقول بأن الشعب الليبي لا يدرك تفاصيل الحالة، فهو صار على دراية بكل ما يحدث في شرقه وغربه وجنوبة، بل أن تفاصيل دقيقة لكثير من الأحداث تجدها لدى عامة الشعب، وقد لا تعلم بها مؤسسات الدولة، أو التي تعلم بها وتحاول أن لا تصل للشعب.
نستطيع أن نمثل الحالة الليبية منذ المجلس الانتقالي، مرورا بكل الهياكل والأجسام التي حدثت بعده، بأنها ككرة الثلج بدأت صغيرة، ومع الوقت صارت تتكور أكثر فأكثر، ويبدو أن مسار انحدارها مازال طويلا، ومن مسافات عالية جدا، لذلك ما يزال امامها فرصة للتكور أكثر فأكثر، والتعملق بما يجعل الوقوف أمامها ضربا من الانتحار، وسيلقى من يقف أمامها حتفه بصورة قد لا يتصورها عقل.
هناك نقاط صغيرة، هكذا كانت في أوانها رغم أهميتها، لو عولجت بحنكة وسياسة حكيمة، لكانت النتائج أكثر ايجابية، وجنبتنا كثيرا من المآزق والمنزلقات التي نقع فيها الآن مع مرور كل يوم من ايام حياتنا، على سبيل المثال لو تمت معالجة قضية السلاح، وتم تسليمه مع تسليم الثوار مبالغ مالية، ومع الايفاد للعلاج، لكانت نسبة السلاح قد قلت للنصف على الأقل، ولو اتخذت اجراءات صحيحة وسليمة في قضية العلاج ومشاكل الجرحى، لما بقينا إلى الآن نسمع باعتصامات ومطالبات بالعلاج في الخارج يوميا، ومن جرحى سبق لهم الخروج عدة مرات للعلاج.
ومع استمرار الحالة، بدأت هذه الكرة الصغيرة تتكور وحجمها يزيد لندخل في تسلط وتغول البعض، وانتشار الكتائب باسم الثورة والثوار، ولم نعد نعرف من جرح في الثورة ومن أجل الوطن، ومن جرح في شجار ومن أجل صراعات على مكان او نفوذ أو مال، وبالتالي صار اقتناء السلاح وسيلة لتحقيق المطالب التي في أغلبها غير شرعية وغير منطقية من أساسها.
وواكب هذا الاهمال الرسمي لهذه الأحداث، اهمال لا يقل في خطورته عن ما ذكرناه انفا، وهو عدم ارساء نظام للحكم المحلي واضح وقوي وصحيح، يعطي للمواطن شعورا بأنه لن يسافر على كبيرة أو صغيرة للعاصمة أو مدينة كبرى تبعد عنه آلاف الأميال، وصارت المسألة المحلية تتراوح بين مجالس ظهرت أوان الأزمة، ومجالس انتخبت بدون أن تعطى للمواطن فرصة كبيرة في الخيارات، وبالتالي صار التسيير المحلي لا لون ولا طعم له، فلا هو بنظام يستطيع خدمة المواطن عن قرب، ولا هو نظام خاضع لسيطرة العاصمة والأمور الادارية المعتادة في هكذا أنظمة.
الآن أمامنا عدة مسارات، وعدة مطالب، وعدة تصرفات، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها، فهي موجودة وواضحة، ويعمل اصحابها على أن يكون لها موطئ رجل في الدولة الليبية، مطالب الفيدرالية أصبح لها آلاف من المؤيدين وسيزداد العدد مع هذا الأداء المتراجع لشرعية اعتقدت نسبة من الليبيين وليس كل الليبيين بأنها ستكون أفضل ممثل لهم، وستكون شرعية واضحة ليس لها سوى خدمة الوطن والمواطن، لكن مع مرور الزمن اصبحت الثقة تتزع فيها حتى ممن انتخبوا هذه الشرعية.
ونأتي لأمر مهم كان باستطاعة الدولة في السنة الأولى وبداية الثانية للثورة أن تبدا في العمل عليه بقوة، وكانت الفرص التي ضاعت في الأيام الأولى من أجل هذا الغرض فرصا لن تعوض حاليا، ولا حتى في قادم الأيام، هذا الأمر المهم جدا في الحالة الليبية، هو اعادة بناء الجيش، فليس الأمر كما يروج له البعض أن الجيش وأفراده يجب أن تغييرهم بالكامل لأنهم كانوا جنودا فقط للقذافي، فالواقع يدركه الليبيون جيدا، وما فعله البعض لا ينسحب على الجميع وكثير من الضباط والجنود كانوا عونا لليبيين، وكان لهم الدور الأساسي في معارك التحرير.
هذه هي الحالة الليبية، التي أصبح حجم معاناتها يزداد يوما بعد يوم، ولن يكون بمقدور أحد التكهن بالمدى الذي ستصل إليه إن استمرت المعالجة كما هي الآن، والتي تتمحور حول تعطيل أي أمر، وتهدئة أي مشكل بالمسكنات، والاكتفاء فقط بمحاولة زحزحة أي مشكلة بالمال، أو اعطاء أي مزعج للدولة والوطن بعض الصلاحيات هنا أو هناك.
الآن ليس أمام الشرعية إن كانت تريد الحفاظ على هذه الصفة، سوى ان تعمل مع كافة مكونات المجتمع الليبي، وتحديدا الدور الاجتماعي، فلا يخفى على عاقل دور القبيلة في الحياة الاجتماعية، وأن الغالبية العظمى في ليبيا يدينون بالولاء للقبيلة، وعليه يجب أن يكون لها دور في حل بعض المشاكل، وتشكيل مجلس شوري يضم هذه الشخصيات من كل أنحاء ليبيا، وبهذا نخلق تواصل مع كل أنحاء وابناء ليبيا، أما أن نترك الأمر للظروف والصدفة وحدها، فصدقوني أن كرة الثلج بدأت تتعملق.
13- اكتوبر 2013

تعـــدد
تشهد ليبيا هذه الأيام حراكا مستمرا، وتعدد في الرؤى والاتجاهات، ولسنا في معرض الحديث عن كل هذه الأمور، لكننا بدون شك نجد أن الحراك الأمازيغي وما رافقه من أحداث، أخذ حيزا من اهتمام الشارع الليبي، خصوصا ان الكثيرين يحترمون خصوصية الأمازيغ، لكن بعد أحداث التخريب التي صاحبت اقتحام بعض ناشطيهم للمؤتمر، جعلت النسبة تتغير، والمواقف تتباين تجاه هذه المطالب.
أما الحراك الأقدم من ناحية التقديم، وايضا من ناحية المعارضة له فهو الحراك الفيدرالي، ورغم تنامي هذا الحراك، إلا أنه يؤخذ عليه بعض الأمور، فهو رغم تنامي عدد معتنقي هذا التوجه، إلا ان المتصدين له لم يقدموا أي مشروع واضح، يكون سبيلا للنقاش، وأيضا يكون أداة للإقناع لمن لم تصلهم قناعة بهذا التوجه، وحقيقة يجب أن تقال بأن الحراك الفيدرالي رغم قدرته على اتباع نفس أساليب الاقتحام، والقفل واحتلال مؤسسات الدولة، إلا انه لايزال يعتمد المبدأ السلمي للحراك، ويحاول اقناع الناس في برقة بتوجهه، ولهذا ولغيرها من أمور لا يمكننا أن نخونهم لهذا التوجه مادام سعيهم لفكرة موجودة في كل انحاء العالم، وكانت موجودة في ليبيا، وأُقِرتْ برضا الشعب وممثليه في لجنة الستين بعد استقلال ليبيا.
والمتابع الجيد لحركة التاريخ الليبي، يدرك جيدا بأن وحدة ليبيا طوال تاريخها، لم تتحد إلا بوجود النظام الفيدرالي، فأول اتحاد وطني هو الذي كان عام 1951، حين اعلن استقلال ليبيا، تحت حكم واحد، وحكومة واحدة، وإن كانت تنقسم إلى ادارات حكومية محلية ثلاث، لم يكن في ليبيا ساعتها إلا رئيس واحد للبلاد هو الملك الصالح ادريس السنوسي غفر الله له، ولم يكن لها سوى حكومة مركزية واحدة، وهوية وطنية ليبية، وحتى جواز السفر واحد، والبطاقة الشخصية واحدة، وقانون واحد يطبق على كل الشعب الليبي، أما ما قبل هذا التاريخ فكانت ليبيا اقطاعيات وولايات لا علاقة لأحدهما بالأخرى، حتى في عهد القرمانليين، اللهم إلا إذا استثنينا نظام الجباية للوالي، الذي كان يستقطع قوت وجهد كل سكان هذا الجزء من العالم.
ولا يخفى على أحد بأن وجود النفط كان سببا مباشرا في الغاء النظام الفيدرالي، حيث رغبت الشركات والدول الأجنبية الكبرى، بضرورة أن تكون هناك جهة واحدة لكي يسهل عليها الحصول على مصالحها، ولذلك فإن الملك ادريس السنوسي وحتى بعض النواب، رأوا أن الأمر سيكون صعبا على ليبيا مقاومته، وهي دولة ناشئة فقيرة، لا تملك من القوة والنفوذ ما يمكن به مقاومة توجهات الدول الكبرى، والجميع يدرك ويعلم بأن النظام الفيدرالي في ليبيا، أقرَّ في نظامه بأن تكون لكل ولاية من الولايات الثلاث    حصة 30% من اجمالي الدخل العام، والباقي يورد للحكومة المركزية لتصرفه على الولايات الثلاث بحصص متساوية، بما يعني اضافة للثلاثين بالمئة لكل ولاية من ثرواتها وانتاجها، تأتيها نسبة أخرى من الايراد العام، وهذا كسب كبير لكل ولاية، وتشجيعا للحكومات المحلية لبذل مزيداً من العمل والانتاج.
وحسب تقارير أدريان بلت للأمم المتحدة، فإن دخل ولاية طرابلس حينها، يعادل أضعاف دخل الولايتين الأخريين، لذلك كانت طرابلس مستفيدة من وجود النظام الفيدرالي كونها كانت تنتج وتصدر الملح ونبات الحلفة وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى وولاية فزان تصدر التمور، وبرقة تصدر المواشي وبعض الملح ونبات الحلفة.
أما بعد اكتشاف النفط فالأمور تغيرت لصالح برقة، خصوصا أن الاكتشافات الأولى كانت في برقة فقط، لذلك سيكون لها 30% من هذا الانتاج ثم تعود عليها حصة أخرى من السبعين بالمئة التي تقررها الحكومة المركزية، بالإضافة إلى أن بعض الوزراء، وتحديدا بعض رؤساء الحكومات، كانت لديهم شراكة في شركات استكشاف وتصدير النفط، وكان من صالحهم، أن تكون كل الأمور في يد حكومة واحدة مركزية، وبالتالي تكون مصالحه في أيديهم، أو أيدي أشخاص لديهم مصالح مشتركة معهم، فالإنسان هو الانسان في كل مكان وزمان.
هنا يجب الاشارة إلى شيء كبير وخطير، وهو تقرير سري حينها للسفارة البريطانية حول أحداث يناير، نشر في السنوات الأخيرة بعد انتفاء صفة السرية عنه، وهو امر معمول به في كل أنحاء العالم،  ورد في هذا التقرير، (كما ذكرنا في برقيتنا رقم 12 المؤرخة 14 يناير والصادرة في بنغازي، فإن اليومين السابقين شهدت مظاهرات عنيفة في شوارع بنغازي أدت الى سقوط عدد من القتلى، لقد بدأت الاضطرابات في اليوم الثالث عشر من يناير، عندما تقدمت جمعية تتألف من ستة طلاب جامعيين بطلب الى المحافظ للحصول على إذن للقيام بمظاهرة بمناسبة انعقاد مؤتمر رؤساء الدول العربية في القاهرة.
وبعد القيام بمشاورات مع وزارة الداخلية ( التي مقرها طرابلس )، رفض اعطاء الإذن. إلا أن الطلاب باشروا في تنظيم المظاهرة على أي حال .).
هنا نُذكر بأن هذه أول حالة قمع للمظاهرات في تاريخ المملكة، كانت سببها الحكومة المركزية، التي لم تكن على دراية بما يحدث في بنغازي، ولو كان المحافظ يتبع النظم الفيدرالي، لكانت له استقلالية القرار، كونه قريبا من الناس والقرار بيده، ولكان سمح بالمظاهرة وبالتالي مرت بسلام، مثلما مرت قبلها مظاهرات عدة في العهد الفيدرالي والتي لم يصب فيها أي شخص، لأنها مظاهرات مرخصة، ويتحمل وزرها الداعون لها لو خرجت عن سلميتها والمسار المحدد لها.
وأخيرا يجب أن نشير إلى ان الدعوة الفيدرالية، هي حراك سياسي يجب أن يحترم ويناقش، لا ينظر لها نظرة تخوين فقط، أيضا لابد أن نقف أمام سؤال يطرحه أهل التوجه الفيدرالي لمعارضيهم، خصوصا في طرابلس أو المنطقة الغربية عموما، هل كانوا سيرفضون الأمر لو كان كل النفط في مناطقهم ؟، كما طالبوا سابقا بإلغاء الفيدرالية بعد اكتشاف النفط ! طبعا الإجابة ستكون ناقصة، فهي لن تكون معبرة، إلا في حالة وجود الظرف المُسبب لطرح السؤال، أي أن تكون الظروف الحالية متشابهة في الأحداث وانعكاس الأماكن فقط.!!
31- أكتوبر 2013
البحث عن مخرج
   رغم كم الحزن الذي صار يسكن اغلب نفوس الليبيين من تصرفات بعض الليبيين، جراء ما نسمع ونشاهد من احداث لم يكن أحد يتوقعها، وإن كان الجميع يدرك اسبابها، وهذه الأسباب تعتمد على شيء موروث طوال حقبة طويلة جعلت من ليبيا  مسرحا للامعقول، وصار الليبيون بالتالي أبطالا على ركحه،  وسيناريو الحالة المعروضة انفلات في كل شيء، وهذا أمر طبيعي إن وصلنا للأسباب الجذرية التي تتغذى منها كل الصور الظاهرة على السطح، فيقينا ليس أساس المشكلة المسلح فقط، ولا المجرم لوحده السبب، ولا السياسي، ولا أي شخص قام بعمل يكرهه كل الليبيون، إذا ما هذه الأحجية ؟ وما هو السبب؟ بالتأكيد السبب قريب جدا، ولا يحتاج لكثرة تفكير، وتمحيص، ليبيا كانت طوال الأربعين عاما خالية من الجريمة المسلحة، وخالية أيضا من الجريمة بواسطة المجموعة، لكنها لم تكن خالية من الجريمة.

بنظرة عاقلة وفاحصة سنجد أن ليبيا،  طوال هذا العهد، كانت مهدئة وليست آمنة، بمعنى أن الهدوء ليس دائما يدل على الأمان، فالأمان لابد أن يكون نابعا من نفوس مرتاحة، ومقتنعة بأن الأمن هو غايتها، وتحافظ عليه بنفسها، وتحارب كل شخص أو مجموعة تهدد هذا الأمن والاستقرار، وبالطبع هذا لم يكن في عقيدة الليبيين ولا في نفوسهم في تلك الفترة، بل أن التهدئة فرضت عليهم فرضا، حسب تراتبية نظام العصابة، والكل يعلم بأن نظام العصابة فيه من التنظيم والسيطرة الكثير، وفيه تراتبية غريبة، تحترم من الجميع، سواء أفراد العصابة، أو من أبتلوا بسيطرة هذه العصابة.
المتأمل لحالة الأمن في ليبيا، لن يجد  كثير تغيير عن ما قبل الثورة، سوى أن انتشار السلاح اضاف هما أكبر عليها، وطبعا انتشار السلاح كان بداعي وضرورة، فنظام مثل القذافي لن يستطيع احد زحزحته بالمظاهرات السلمية، والدعوات  المنظمة للرحيل، لأنه نظام معقد ابتدع اساليب في القمع، وخلق منظومة أمنية متشابكة، هدفها الأول والأخير، حمايته الشخصية وحماية نظامه الغريب، لذلك لا نجد رادعا لدى هذه الأجهزة عندما يتعلق الأمر بحماية المواطن، ولا تتدخل في محاربة الجرائم الاقتصادية والمالية، بل انها تدعم في الأغلب نوعية هذه الجرائم والخروقات، اعتقادا منها أن ذلك يؤدي لخلق ظروف موائمة لفرض مزيد من السيطرة، ولاشك أنها نجحت إلى حد بعيد في خلق أدوات ومؤسسات وأشخاص في الدولة تعمل بقوانين ممسوخة، غريبة الأداء، وصار من يرتقي سلم التراتبية فيها هو الأكثر فسادا وسقوطا في الرذيلة، ومع تراكم السنوات، صارت بعض السلوكيات الخاطئة، هي المقياس للأداء في مؤسسات الدولة الليبية، وصار نجوم المجتمع ووجهائه، هم أراذل الناس في ليبيا بصورة كبيرة وواضحة.
الأمر الهام والخطير الذي يستوقف المتابع للحالة الليبية، هو ان الدولة وأجهزتها الحالية، تعتقد بأن الأمر يريد فقط بناء جهاز ما، أو ادارة ما، ووضع موظفين في هذا الجهاز أو الإدارة، وسنجد العمل يسير بالشكل المثالي، وتكون النتائج على افضل حال، وهذا بالطبع استنتاج خاطئ، فلو كانت المؤسسات الموجودة فيها فقط نسبة فساد خمسين بالمئة لكنا تجاوزنا هذه العقبات منذ السنة الأولى للثورة، لكن ما غاب عن صانع القرار الحالي في ليبيا، هو ان ليبيا قفزت من رؤية أحادية لكل شيء، فالجميع كانوا سواء مؤسسات أو أجهزة أو حتى أفراد، ينتظرون كل شيء بأمر من باب العزيزية من قرارات الاعدام والسجن، مرورا بصرف الرواتب، إلى ثبوت رؤية الهلال سواء في رمضان أو العيد، ولذلك فأن الانتقال الفجائي لعهد لا قيود فيه، بما فيها القيود المطلوبة للنظام والتسلسل الإداري والمهني، خلقت حالة جديدة، ظن معها الكثيرون من أبناء ليبيا، بأن أي قانون أو تنظيم، هو ضد ليبيا الحرة، التي صارت مرادف عندهم للتعبير عن امتعاضهم من أي شيء لا يروقهم، حتى لو كان فيه حفظ أنفسهم وأموالهم ووطنهم.
إذا ما السبيل للخروج من هذه الدوائر المتتالية؟ لاشك أن لكل مجتمع ضوابط غير الضوابط الموضوعة بقوانين ومؤسسات، وطبعا هذه الضوابط والقوانين والمؤسسات، هي أرقى ما وصله الإنسان، لكن بما أن ليبيا ليس لديها أي تجربة، أو شبه مؤسسات ولو على قدر ضئيل من التواجد على أرض الواقع، يضاف على ذلك أن ثقافة الدولة والمؤسسات بعيدة عن عقول اغلب الليبيين، لذلك لا مناص أمام مؤسسات الدولة التشريعية أو التنفيذية، من ان تلجأ للأعراف والعلاقات الاجتماعية، بإقحام ذوي الرأي والمشورة، من حكماء القبائل ومشائخها، لإيجاد عقد اجتماعي نحاول من خلاله ايجاد قوة لمؤسسات الدولة، ووضع المخالفين تحت ضغط عائلاتهم وقبائلهم، ولاشك بأن كل ليبي، إن كان بالفعل ليبياً، ستجد له عائلة وقبيلة، وايضا مهما أوتي الليبي من استقلالية، وتطور علمي ومعرفي وثقافي، إلا ان الأثر العائلي والاجتماعي يظل ساكناً أعماقه، ولن يستطيع الفكاك منه بسهولة، أما التعذر بأن القبيلة نوع من التخلف، ولا تستطيع أن تبني دولة، فأظن هذه تصلح لسحبها على مجتمعات لديها مؤسسات، وتراكم معرفي وثقافي، وخرجت من بوتقة العلاقات الاجتماعية منذ مئات السنيين، أما في ليبيا فلا مناص من العودة لهذا الأمر بتنظيم يخدم الدولة ويساندها، وليس لغرض وضع حكم قبلي كما يظن البعض.
نشر عام 2013





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكـرا لمشـاركتنا برأيـك