يشهد العالم حاليًّا حالة من وَجَدْ المتابعة للانتخابات الأمريكية،
ومتابعة فارق النقاط في سبر أراء وكذلك مراكز متابعة وضع كل مرشح، ومن يتفوق على
الاخر سواء كلينتون او ترامب.
في الوطن أيضا وصلت هذه الحمى لوسائل الاعلام وللنشطاء على مواقع
التواصل، وكذلك لوسائل صنع القرار السياسي، وهؤلاء جميعا يراهن كل منهم على احد
المرشحين الذي عقد عليه آمالا لتحقيق مصالحه ومساعدته من قبل الرئيس القادم بشكل
او بأخر.
من المعروف أن هناك ثوابت لا تتغير في السياسة الأمريكية، هذه الثوابت
ربما غير مكتوبة، وغير مدونة في الدستور الأمريكي، ولا تعرض على أي رئيس، لكن أي
شخص يتصدى للعمل السياسي في أمريكا لابد أن يكون ذا دراية بها، وان يكون متنبها
لها ولا يخالفها.
هذه الخطوط التي يقف عندها الرئيس تتمثل في وكالة الاستخبارات
المركزية، وأيضا اللوبي اليهودي الصهيوني، وكذلك رأس المال ومؤسساته.
ولن ينجح أي رئيس مهما كانت شعبيته، ولن يستطيع الوصول للبيت البيض
مالم يكن قد تفهم هذه الثلاثية جيدا، وهذا ما سبب سقوط كلينتون أمام أوباما، فهي
لم تكن بعد قد استوعبت شروط الثلاثية للنجاح، غير أنها بدأت اكثر فهما واستيعابا
الآن امام منافسها ترامب.
من جهته فإن المرشح الجمهوري ترامب، لم يقل شيئا غريبا، فهو مثله مثل
أي أمريكي عداء واضح للمسلمين والاسلام بحجة الارهاب، وعنصرية ضد الملونين
والمهاجرين، وأيضا حب السيطرة على العالم ، غير أن المجاهرة بهذه الأمور لا يرضى
عنه ثلاثي صنع القرار العميق في أمريكا.
وكدليل على ان أمريكا لا تسوق الديمقراطية بشكلها الصحيح لغير
الأمريكيين، ولا تريد دول مؤسسات خصوصا في الدول العربية، ما تقوم به في العراق
منذ أكثر من عشرين سنة، فهي لم تستطع مساعدة العراقيين على بناء دولة، ولم تغير
العراق إلا إلى الأسوء، واغرقته في حروب طائفية لن تنتهي في سنوات منظورة.
كما أنها تساهم بشكل كبير في تنامي قوى الارهاب في سوريا، واشاعة
الفوضى بشكل كبير، وهي لا تتدخل إلا لتضعف طرف لحساب طرف، بحيث لا ينتهي الصراع،
وتظل هذه المنطقة منطقة جذب للإرهابين، وبالتالي سترتاح ربيبتها في المنطقة "
اسرائيل " من عبء اقتصادي وتسليحي تحسبا لأي مواجهة قادمة مع دول الجوار.
كما أن أمريكا نفسها جَرَّتْ السعودية لحرب ستكون طويلة وستستنزف
الجهد والمال السعودي، وبالتالي انهاك اقتصادها، وتجعل القرار السعودي السياسي
مرهونا للتوجه الأمريكي، والدليل يكمن في أمرين، أولهما اختفاء السعودية من مشهد
دعم البرلمان الليبي، وأيضا دعم الجيش الليبي، وظهور اسم السراج وحكومة وفاقه، عبر
وسائل اعلام ممولة سعوديا، خصوصا بعد وفاة المغفور له الملك عبدالله، وثاني
الأمرين هو موقفها الأخير من مصر، فبعد وعود وعقود للتنمية والدعم، أوقفت السعودية
كل شيء، بما فيه شحنات الوقود لمصر، وهذا طبعا بتوصية أمريكية لخنق مصر وجيشها.
في ليبيا أمريكا تفعل كل ما من شأنه أن يجعلها مثال للفوضى الخلاقة،
فاستمرار الفوضى في ليبيا، يعني خنجر في خاصرة مصر، وستكون مسألة تأمين الحدود
عبأً على الاقتصاد المصري، كما ان تونس لن تستفيد من نمو الحركة السياسية
والاقتصادية مع ليبيا، وستكون تحت رحمة الغرب من أجل حمايتها.
أمريكا في ليبيا لا تهدد إلا البرلمان ولا تلوم إلا الجيش في حالة
حدوث أي مشكلة من جراء الحرب على الإرهاب، لكننا لم نسمعها يوما تلوم تواجد قيادات
الارهاب بطرابلس أو مصراته، ولا تفرض قيودا على شخصيات تدعم الارهاب بالقول والفعل،
مثل المفتي السابق الصادق الغرياني أو غيره من قادة الارهاب في طرابلس.
كما أن أمريكا تؤوي جماعات الاخوان الليبية بها، وتحاورهم وتدعمهم
للحكم في ليبيا رغم سقوطهم ديمقراطيا وبواسطة الصناديق، وهذا أمر يدعونا لليقين
بأن أمريكا لن تصدر لنا أي نمط ديمقراطي، أو نموذجا للدولة المدنية، بل أفرغت هذه الأشياء
من محتواها، وصدَّرتها لنا مع انتشار السلاح، لأن أمريكا وقادتها المستترين والظاهرين،
يدركون ان أي دولة بدون جيش قوي، وأمن مسيطر بقبضة قوية، ستكون بالديمقراطية مجرد
دول عصابات، لذلك لن ينفع العرب خصوصا دول " فوضى " الربيع العربي أي من
الرئيسين القادمين سواء ترامب أو هيلاري كلينتون.



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكـرا لمشـاركتنا برأيـك