لم ينجح تنظيم مشبوه في تاريخ العرب والمسلمين من أن يتغلغل في أوساط
العامة بل والمثقفين ووصولا للنخب، مثلما فعل تنظيم الإخوان المسلمين، وإذا حاولنا
معرفة السبب فبكل بساطة دائما الدعوات المستندة للدين والأعراف والقيم تلقى صدى
لدى كثير من الناس، وهو ما أنتهجه هذا التنظيم بكل دقة، ساعده في ذلك دعم مخابراتي
دولي " المخابرات البريطانية" والتي ساعدت هذا التنظيم ماليا ولوجستيا
وإعلاميا وبكل وسيلة ليكون أداتها في ضرب الدين وتفريق شمل الأمة العربية
والإسلامية، بأداة جديدة ومبتكرة تظهرها وكأنها نابعة من خلال هذا الدين ومن وسط
هؤلاء البشر.
بكل تأكيد لو ظلت المخابرات الغربية والصهيونية تركز على تشويه الدين
من خلال رجالها في مختلف المجالات ومن خلال كتبها وكتابها، ومن خلال وسائل
إعلامها، فإن الأمر لن يلقة أي صدى، ولن يصل حتى للسذج من عامة الناس في البلدان
الإسلامية، ولذلك توصولوا بدهاء لخلق كيان إسلامي يعمل على واجهتين إثارة النعرات
والإنقسامات، وأيضا التشكيك في الدين وتفاصيله وحصره في القتل والتكفير والعودة
لحياة بدائية بتفسير خاطيء للنصوص والأحاديث، وهي مهمة تكفل بها علماء الإخوان، ثم
تلقفتها بعدهم السلفية الجهادية التي خرجت من عبائتها عدة تيارات مثل التكفير
والهجرة ثم القاعدة وصولا لداعش، وبالطبع لن تكون هذه أخر الزُمر التي تصل إلى
واقع الحال الإسلامي، فهناك عدة تيارات إسلامية حاليا صامتة تدعي الوسطية، لكنها
تؤسس لمرحلتها المقدمة مثلما فعل الإخوان.
مصر دائما يتقصدها أعداء الإسلام والعروبة ، ومنها تظهر كل الأفكار
التي تحاول النيل من مصر ككيان ، لأن الجميع يدرك بأن ضرب مصر سيكون الأثر
الفعَّال في القضاء على ياقي الدول العربية والإسلامية، لذلك ظهرت دعوة الإخوان في
أواسط عشرينيات القرن الماضي من مصر، فحسن البنا مرشد ومؤسس الإخوان ظهر في مصر
بمسوح التقوى والإيمان، ثم بدأت نوايا التنظيم التي أسس من أجلها تظهر بوضوح تام،
وبدأ يخطط وينفذ ما جُند له البنا في المنطقة بادئا بمصر.
المعروف والثابت عبر عدة مصادر أغلبها عن شهود عاصروا مرحلة نمو جماعة
الإخوان في عهد الملك فاروق، تؤكد هذه الشهادات والمصادر بأن الملك لم يعادي
الإخوان وكانت له إتصالات بمؤسسها ومرشدها حسن البنا
وهذا تؤكده خطابات البنا للملك فاروق والتي يمكن لأي باحث أو متشكك في
الأمر أن يصل إليها والإطلاع عليها، فهذه الرسائل نجدها تحوي عبارات التبجيل
والإحترام إن لم تكن التملق والخنوع مثل عبارات (إلي سدة صاحب الجلالة الملكية حامي حمي
الدين ونصير الإسلام والمسلمين مليك مصر المفدي ).
جماعة الإخوان ومن خلال سيناريو أعدته الجماعة لمسلسل عنوانه ( حسن
البنا ) نجد في أحدى صفحاته هذا الجزء من حديث للملك فاروق، مع رئيس وزرائه محمود
النقراشي المعروف عنه عدائه للإخوان حيث يخاطب فاروق النقراشي بقول (لا أنا المفروض ما أدعمش الإخوان
المسلمين، أنا أدعم الوفد إللي بيتحداني وإللي بيشتغل ضدي علي طول الخط.. ناس من
يوم ما مسكت وهم تحت طوعي وبتسمع كلامي وبيحبوني ومساعدهمش ليه ) .
حين توفي الملك فؤاد والد الملك فاروق كتبت مجلة الإخوان في مانشيست
رئيسي عريض " مات الملك ، يحيا الملك " في إشارة للترحيب بفاروق الذي
استلم مقاليد الملك وكان حينها في حدود 14
عاما من عمره، كما ورد في المقال الذي نشرته المجلة تحت العنوان السابق ( مصر تفتقد اليوم بدرها في الليلة
الظلماء، ولا تجد النور الذي اعتادت أن تجد الهدي علي سنا فمن للفلاح والعامل،
مَنْ للفقير يروي غلته ويشفي علته، ومَنْ للدين الحنيف يرد عنه البدع، ومَنْ
للإسلام يعز شوكته ويعلي كلمته، ومن للشرق العربي يؤسس وحدته ويرفع رايته ) .
ولعله من المفيد أن نذكر هنا واقعة تثبت بأن الإخوان منذ ظهورهم، ليس
لديهم خط ثابت في الرؤية والأفكار والمباديء، فمن المعروف أن القوى الوطنية في مصر
ما بين عامي 1936 وحتى عام 1945 اتخذت موقفا من حكومة صدقي اسماعيل، وأيضا مشروع
بيفن الذي وافقت عليه الحكومة ، وهنا اتخذت جماعة الإخوان عكس كل شعاراتها
المناهضة للإنجليز والاستعمار، وإذ بها تؤيد صدقي وتؤيد مشروع "صدقي بيفن"، وظهر البنا مبرراَ
موقفهم ( بأن صدقي أتي الإخوان وأكد لهم أنه يحتاج لتأييدهم حتي يستطيع أن يستقوي
بهم أثناء مفاوضاته مع الإنجليز، واشترط البنا عليه عدم التنازل عن الحد الأدني من
مطالب البلاد في الجلاء والاستقلال ووحدة وادي النيل... ووافق صدقي باشا علي الحد
الأدني من المطالب الذي حدده الأستاذ المرشد وأعطي العهد والميثاق بذلك علي نفسه).
وهنا لا يخفي على أحد بأن " تقية " الإخوان جاهزة في كل
الأمور سواء كانت ناحية الحاكم أو ناحية الشعب، المهم أن يمروا من حالتهم الحالية
إلى اخرى أكثر قيمة، ليواصلوا عبثهم الفكري الديني والسياسي .
ولم يدم شهر العسل طويلا بين الإخوان " كعادتهم " وبين صدقي
" فقلبوا له ظهر المجن وتنصلت الجماعة من تأييده، بل خطت الجماعة خطوة نحو
العمل المسلح، واصبح البنا عدوا للجميع في ذلك الوقت، والغريب رغم تصريحه وجماعته
بعداوة الإنجليز إلا أنه لم يثت بدليل قاطع ان للبنا أو جماعته أي عمل مؤثر ضد
الإنجليز، سوى بعض التصريحات الإعلامية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
وبدأت في تلك المرحلة أعمال الإخوان الإرهابية فأغتالت فرقة تابعة
للنظام الخاص بالإخوان القاضي " أحمد الخازندار" وبالتحقيق في قضية
اغتيال القاضي توصل البوليس السري المصري أدلة حول تورط التنظيم الخاص للأخوان
بأعمال عنف وقتل، وبدأ مسلسل اعتقال الإخوان.
ثم قررت حكومة " النقراشي" حل جماعة الإخوان ومصادرة أموالها وممتلكاتها، واعتقال
كل أعضاء الجماعة عدا "البنا" ، وكرد من بقايا مجموعة "رجال النظام
الخاص" التابعين للجماعة والذين قرروا ونفذوا عملية اغتيال محمود النقراشي
ثأراً لقرار حل الجماعة.
وكعادة الإخوان يجهزون أعذارا تتهم الجميع إلا هم، فقد تم قتل حسن
البنا، وبالطبع الصقت التهمة بالملك حينها، رغم أنه لم يعطي أي شخص دليلا قاطعا
حول تورط نظام الملك في ذلكن بل أن كثير من قيادات الإخوان نفوا تورط الملك في هذا
الأمر.
ومن ضمن الأدلة الكثيرة ما يسوقه احد قيادات الإخوان وعضو التنظيم
الخاص " محمد نجيب" حول علاقة الملك بالإخوان والتي وصفها في كثير من
تصريحاته بالعلاقات الجيدة ، ويقول في أحدى هذه التصريحات حول مسألة مقتل البنا (الحقيقة المؤكدة أن الملك فاروق بريء
من هذا الاتهام، وبريء من دم البنا، ولم يشارك أو يسعى في قتله، وهذا لا يعرفه إلا
عدد قليل جدا من قيادات الإخوان، مات معظمهم ولم يتبق منهم إلا القليلون ).
المفكر اليساري الدكتور رياض محرم يقول
عن هذا الأمر: " فيما يبدو أن احتمال مسئولية عبد الله السندي والنظام الخاص
في جماعة الإخوان عن قتل حسن البنا هو الأقرب للحقيقة، ومما يرجّح هذا الاحتمال هو
تطور الصراع داخل جسم الإخوان بين الجناح العسكرى "النظام الخاص"
والجناح الدينى الذى إنحاز له حسن البنا، خصوصا بعد أن بدأ السندى ومجموعته فى تنفيذ
عمليات متواترة منفردة) ويستمر الدكتور رياض محرم في تشخيص المسئولية عن مقتل
البنا ويضيف حول تمرد النظام الخاص داخل الجماعة حيث ( قتل القاضى الخازندار
وإغتيال سليم زكى والنقراشى ومحاولة نسف المحكمة وكان ذلك إستمرارا لسلسلة طويلة
من التفجيرات والقتل سبقتها ما حدا بحسن البنا أن يقول أنه لو عاد به الزمن لما
كان قد أنشأ هذا التنظيم العسكرى الدموى).
كما أن تلك الفترة تواترت اتهامات من
الجماعة لمرشدها منها استياء أعضاء الجماعة من تصرف حسن البنا فى "أموال
الجماعة" وكأنها أمواله الخاصة، خصوصا بعد أن أنشأ شركة خاصة برأسمال 20 ألف
جنية وعين سائقه الخاص عبد العزيز حسن مديراً لها.
كما أن أعضاء الجماعة اتهموا البنا "بالتلاعب
المالى" والاستيلاء على أموال تم جمعها على سبيل الاكتتاب من الشعب المصري لمساعدة
فلسطين.
أضف إليها تهم لا تقل شأنا للمرشد البنا
منها التستر على فضائح أخلاقية ارتكبها صهره عبد الحكيم عابدين مع بعض زوجات وبنات
أعضاء من الجماعة، وتدخل البنا شخصيا لعدم توقيع عقوبة عليه بالفصل.
ويضيف الدكتور محرم فى ظل ( ظروف محنة
الإخوان بعد وأثناء قرار الحل بدأ السندى يفرض سيطرته وأسلوبه الدموى على حركة
الجماعة وردود أفعالها، وتم تهميش دور المرشد وانقلب السحر على الساحر، مع كامل
إدراكنا أن البنا لم يكن بريئا تماما مما حدث، فهو من أنشأ هذا التنظيم الخاص
وجعله تحت إمرته مباشرة، وكان يختار له أخلص وأقوى الأعضاء ليقسموا يمين الطاعة
والولاء فى الغرفة المظلمة على المصحف والمسدس).
ويسوق الدكتور محرم اشارة مهمة إلى
مسئولية أعضاء التنظيم عن إغتيال البنا ( أن ما يرجح ضلوع التنظيم فى عملية
الإغتيال أنه لم يتسرب بعد الحادث وقوع تحقيق داخلى فى الأمر كما جرت العادة، كما
أن الإخوان لم يقوموا بأى محاولة للانتقام من الجناة الذين تحدثوا عنهم فى كتبهم
ومذكراتهم، بالرغم من عملياتهم اللاحقة لعملية اغتيال البنا ومنها عملية اغتيال
المهندس "سيد فايز" الذى رأس النظام الخاص بعد إعتقال "السندى"
وذلك بواسطة طرد من حلوى المولد يحتوى على مادة شديدة الانفجار فى يوم ذكرى المولد
النبوى الشريف وذلك بإقرار قياداتهم".
في الجزء الثاني علاقة البنا برجال ثورة يوليو وتفاصيل حول عملية
إعدامه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكـرا لمشـاركتنا برأيـك