يعتقد البعض أن غسان سلامة المبعوث
الأممي إلى ليبيا، لديه خطة محكمة لإنقاذ ليبيا، وان الأمم المتحدة تسعى بالفعل
لإنهاء مشاكل هذا البلد الذي غرق في الفوضى منذ عام 2011.
غير أن الفشل الذي لاحق أسلافه الثلاث
من مبعوثي الأمم المتحدة إلى ليبيا بدء من طارق متري اللبناني، مرورا بليون
الأسباني، إلى الهر كوبلر الألماني، هذا الفشل يرسم واقعه بكل وضوح على طريقة عمل
غسان والتي لم تختلف عن طريقة سابقيه من حيث المبدأ ، وإن تغير اسلوبها نوعا ما
نظرا لطبيعة غسان الشخصية.
غسان حاول في البداية الرهان على أن
يقدم مشروعا يستطيع بطريقة أو أخرى أن يمرره على الليبيين، وكان يأمل غسان في أن
يتقبل الجانب الذي يلقى قبولا عند الغرب وهو جانب بقايا ( المؤتمر العام ) وقادة
المليشيات التي تدعمها حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، وفي الوقت نفسه كان يأمل
في أن يكون الرفض من الجانب الذي لا يتقبله الغرب وهو الجانب المتمثل في البرلمان
وحكومته المؤقتة وقيادة الجيش الليبي، ويلقى دعما من الشعب الليبي في عمومه.
بعد أن أصيب غسان بأول صدمة تمثلت في
رفض الجانب الذي تميل له منظمته الأممية، وأيضا الدول المتدخلة بقوة في الشان
الليبي، قدم غسان مبادرة رأى فيها خارطة طريق للخروج من الأزمة، ورغم كل مثالبها،
وأيضا " مطباتها" التي تسعى لإيجاد ممر لجماعات الاسلام السياسي، وقادة
مليشيات غرب ليبيا للعودة للسلطة بعد أن تم رفضهم إنتخابيا، وعبر مظاهرات استمرت
من نهاية عام 2013 وحتى انتخابات البرلمان الليبي.
هذه المبادرة رغم ما اعتراها من عدم
وضوح، خصوصا تدخلها في الجانب التشريعي والذي هو حق أصيل للبرلمان الليبي المنعقد
في طبرق، وعلى الرغم من أن البرلمان أبدى موافقته عليها ، جاء الرفض من الجانب
الآخر في غرب ليبيا والمتمثل في جماعات الاسلام السياسي وقادة المليشيات ، وبعض
التيارات المستفيدة من وضع الفوضى في العاصمة الليبية ، كما رفضتها عدة شخصيات
مدعومة من الاتحاد الأوربي، وهذه الشخصيات كلها تتواجد إما خارج ليبيا، أو تتواجد
بغرب البلاد في طرابلس ومصراته.
مبادرة غسان والتي رفضها أيضا مجلس
الدولة المكون من أعضاء ( المؤتمر الوطني ) أي البرلمان السابق المنتخب في 2012
والذي انتهت ولايته في 2014 بانتخاب البرلمان الحالي المنعقد في طبرق، مجلس الدولة
الذي يرأسه عبدالرحمن السويحلي حسب الاتفاق السياسي ( اتفاق الصخيرات) فإنه يتكون
بعد اجتماع أعضاء ( المؤتمر) المنتهية ولايته ، وهؤلاء الأعضاء في حدود 200 عضو،
غير أن السويحلي أعلن عن هذا المجلس باجتماع لم يحضره سوى 30 عضوا، وهو ما يجعل
وجوده غير شرعي حتى بنص اتفاق الصخيرات، الذي يدافع عنه سلامة وأممه المتحدة وأيضا
عدة دول متنفذة في الحالة الليبية.
من أبرز ما جاء في مبادرة غسان ورفضتها
كل الكيانات المشار إليها أنفا أن يتشكل مجلس رئاسة الدولة من رئيس و نائبين، على
أن تُتخذ قراراته بالإجماع، وجاء فيها أيضا أن آليات اختيار أعضاء مجلس رئاسة
الدولة سيتم عبر الاختيار بواسطة قوائم،
تضم 3 مرشحين ممثلين عن أقاليم ليبيا التاريخية الكبرى "برقة وطرابلس
وفزان" كما اشترطت المبادرة أن يزكي 10 أعضاء من مجلس النواب، و10 من أعضاء
مجلس الدولة كل قائمة، كما ورد بها ضرورة تأليف لجنة لتقصي صحة شروط ترشح القوائم
المقدمة من المرشحين.
أيضا لدى غسان طرحا أخر أسماه المؤتمر
( الجامع) يشمل كل التيارات الاجتماعية والمناطقية وبعض مؤيدي النظام السابق،
وأيضا مؤيدي العودة للحكم الملكي، وشيوخ وزعامات قبلية من كل أنحاء ليبيا، وحسب
فكرة غسان سلامة، فإن هذا المؤتمر يضمن حوالي 800 شخص، ولا ندري كيف سيوفق سلامة
بين أصوات 800 شخص في عدة ايام ، أو ربما ساعات ، وهذه الأصوات لا تتفق في أي
اتجاه فكل 20 أو 40 شخصية تتبنى شكلا ما أو فكرة ما لوضع ليبيا، ولن تتفق مع غيرها
في أي نقطة تُقرب من وجهات النظر.
نقول هذا الكلام لأننا على دراية
بطبيعة الشخصية الليبية، وطبيعة المرحلة الحالية، خصوصا ان ليبيا لم تكن بها
مؤسسات تملك ادنى مساحة للنقاش طوال42 عاما، أضف إليها 7 سنوات وضعت كل شيء تحت
طائلة السلاح، وانتشر الدم، واتسعت الهوة بما لا يمكن للنقاش أن يرتقها بأي شكل.
وأخيرا لجأ غسان للدعاية بكل الوسائل
على ان الانتخابات هي المخرج، وهذه أيضا نقطة لا ندري كيف ستتحقق على أرض الواقع،
وطرابلس منذ أيام قتل فيها مسئولين كبيرين في حكومة " السراج" بعد
خطفهما، أيضا لا ندري كيف سيأمن من يتقدم للانتخابات في غرب ليبيا على نفسه، ولا
كيف سيلتقي بناخبيه في حوارات ما قبل الانتخابات، ولا كيف سيتحرك في حملته
الانتخابية وأغلب مدن الغرب لا تسيطر عليها أي قوة شرعية بل أن طرابلس مقسمة لأكثر
من 5 مناطق ، كل منطقة تحت سيطرة مليشيا، بل وكل شارع يخضع لمسلحين لا يتفقون مع
الشارع الذي خلفهم، أيضا لم يحدد سلامة بأي قانون ستتم الانتخابات، ولا بأي اعلان
دستوري ، طالما لم يصدر البرلمان تعديلا لهذين الأمرين.
لذلك نستطيع التأكيد بأن كل محاولات
الأمم المتحدة ومبعوثيها، وإن افترضنا فيها حُسن النوايا، ومحاولة ايجاد حل حقيقي
للمشكلة الليبية، فإنها ستظل بعيدة عن الواقع، إن لم تعلن صراحة ضرورة انهاء كافة
مظاهر التسلح خارج اطار الجيش والأمن، وتحديد مسمى الجيش الوطني بقيادة المشير
خليفة حفتر، كإطار رسمي ووحيد للجيش، وأيضا تحديد آلية الأمن والسلطات الشرطية،
دون أن تعطى بعض الكيانات المسلحة الحالية أي صفة امنية رسمية، وتسمية ضباط
محترفين من المؤسسات الأمنية السابقة ما قبل 2011 لقيادة هذه الأجهزة.
أيضا يجب على الأمم المتحدة دعم خطوات
توحيد المؤسسة العسكرية تحت القيادة العامة الحالية بقيادة المشير حفتر، خصوصا أن
ضباط مناطق الغرب الليبي والجنوب اجتمعوا مع ممثلي القيادة العامة، واتفقوا على
نقاط غاية في الأهمية لتوحيد المؤسسة العسكرية باحترافية كاملة، لذلك يجب دعم هذه
الخطوة وتمكين الجيش من السيطرة على العاصمة، وبعدها لتقدم أي مقترحات للانتقال
لإنتخابات رئاسية أو تشريعية تحت حماية الجيش والأمن الليبي الرسمي المحترف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكـرا لمشـاركتنا برأيـك