مجموعة مقالات نشرت على فترات متباعدة في عدة مواقع وصحف ومجلات أغلبها اختفت الآن، أردت تجميعها ، فهي وإن تكن كتبت في ظروف معينة، وتحدثت عن أحداث وتصرفات ربما تكون انتهت الآن، إلا أنني أرى بضرورة توثيق هذه المقالات فهي تعطينا لمحة عن فترات ما من حياتنا.
الصوت الذي أسرني
أتذكر اللحظات الأولى التي تعرفت فيها على هذا الصوت المتفرد حد أن
يأسر سمعك، ويجعلك أسير نبراته، حين أسمع هذا الصوت الآن، تأخذني لحظات الاستماع
والاستمتاع، لمرحلة من العمر كنت حينها لم أتجاوز الثامنة من العمر، في زمن تَرسم
ملامحه نهاية الستينات من القرن العشرين، ومكان بجغرافية طبرق المحدودة حينها،
المتلفعة ببساطة أهلها، كانت الأسرة في غاية الفرح والسرور فالشقيق الأكبر عائد من
طرابلس، بعد فترة عمل تقتضي بعده عنا أكثر من نصف العام ، حيث تضطره طبيعة مرافقته
كحرس شخصي للملك ادريس حينها، للغياب فترات طويلة عنا، كانت تلك المرة الأولى التي
أكون فيها أكثر إدراكا لتلك المرحلة .. هاهو الحاج (الفضيل)* يعود ومعه أحد أصدقائه
الذين يقطنون بعيدا عن المدينة ولذلك سيقضي ليلته معنا في منزلنا البسيط ثم يغادر في اليوم التالي ، كان البيت يعج بحركة
لا تحتملها مساحته الصغيرة ، لكننا كنا جميعا في فرح غامر وود آسر بتلك اللحظات التي
لازالت مشاهدها تستبيح ذاكرتي التي شطبت كثيرا من مواقف الحياة التي مررت بها، ساعات
ثم هدأت حركة البيت وبدأ الضيوف والجيران في الانصراف، جلس شقيقي وزميله في ركن قصي،
كنت أثيرا لدى شقيقي الأكبر ولذلك كنت ملاصقا له طوال تلك الساعات، لأول مرة أشاهد
هذا الشيء كان غريب المظهرلي ساعتها (بيك أب) هكذا أخبرني شقيقي حين سألت بالحاح
عنها، صارت تخرج أصواتا متباينة ممزوجة بالموسيقى، أخذني فضولي الطفولي للمراقبة ومحاولة
فهم ما يصدر عن تلك الآلة ، لكن جميع الأصوات وقفت عاجزة عن ترك بصمتها في حنايا ذاكرتي
الناصعة بفعل الطفولة .
بعد لحظات تم تغيير أداة مدورة سوداء اللون ، عرفت فيما بعد بأنها تسمى
اسطوانة ، تلك الاسطوانة انداح منها صوت ليس كباقي الأصوات، عذب حتى الثمالة، ورقيق
حد التحليق، وغريب حتى التفرد ، لم أعرف معنى الكلمات، الصوت والأداء أسراني منذ تلك اللحظة .. "عالطاحونة وشفتك عالطاحونة
.. جرحوني ..عيونك جرحوني .." غبت معها في لذة الاستماع.. وحلقت معها في عوالم
لم أعرف سرها حتى الآن، أفقت من غيابي اللذيذ بعد أن توقف الصوت السماوي عن نثر سحره
الغريب، خرجت من سطوة النشوة، لأوجه لجليسي
سؤالا مُلحا من التي كانت في الأسطوانة ؟ وبعد ضحكة منهما قالا لي اسمها " فيروز
".. منذ تلك اللحظة صار هذا الاسم مرادفا لكل جميل ومتميز عندي؟ هل هي من ليبيا
؟ بعد ابتسامة قال أحدهما : بل من لبنان .. شعور جميل لإحساسي بقرب الكلمتين لبنان
..ليبيا ومن أجل فيروز لا تبتعد لبنان في قلبي عن ليبيا كثيرا.
تتالت الأيام وصار صوت فيروز في ذاكرتي رمزا للجمال، وتعرفت على كل أوقات
بث أغانيها في الإذاعات التي تصل ببثها إلى مدينة طبرق * وما أكثرها، كنت مواظبا على
الاستيقاظ الباكر لا لشيء سوى أن أتمتع ببعض الدقائق استشعر فيها لذة الاستماع لصوتها
في الصباح في أغلب تلك الإذاعات، كبرت وصارت لي أدواتي الخاصة لكي استمع بواسطتها لما
أريد، ولم أكن أريد أكثر من أغاني فيروز، أصبحت أغانيها المسيطرة على كل أشرطة الكاسيت
التي اقتنيها، وها أنا بعد أن اقتربت من مغادرة
تخوم الشباب ، ورغم قلة الوقت الذي أقتطعه للاستماع للطرب، لكن لايزال لفيروز النصيب
الأكبر من هذا القليل المتاح، غير أن المفاجآت في علاقتي بصوت فيروز لا تنتهي ،
فرغم أنني امتلك مكتبة ليست هينة من أغانيها إلا انني عجزت عن العثور على تلك
الأغنية التي عرفتني بفيروز، حتى كان ذلك اليوم الذي فاجأني ابني الصغير بقوله :
ابي لقد أحضرت لك اغنية للمطربة التي تحب الاستماع لها دائما !! ، كان في مثل سني
حيت استعمت لفيروز أول مرة، لم يكن يعرف اسمها، قلت له مجاملا وأنا اعتقد بأنها
لابد أن تكون عندي : هيا اسمعني، شغل الهاتف النقال الذي نقل فيه الأغنية من أحد
الأقارب، وإذا بصوت فيروز ينداح " عالطاحونه وشفت عالطاحونه .
طبرق 25-5-2000
رابطة من نوع خاص جدا
منذ مدة وأنا أفكر في كتابة هذه
الطرفة التي راودت خيالي ذات يوم وأنا في سجال مع أصدقائي الأعزاء وهم كثر حول بقاء
هاماتهم بدون تصحر، رغم مغادرتهم تخوم الشباب الأولى ووصولنا جميعا لسن النضج ، في
محاولة منا لكي نهرب من صفة الكهولة التي
تطاردنا.
ربما لأنني كثيرا ما أكون الفائز
دائما في مناجزة أصدقائي الأعزاء، حول كثير من الأمور، فإنهم يلجئون دائما لسلاحهم
الأخير .. ابتعد عنا أيها الأصلع، لذلك فاجأتهم ذاك اليوم في محاولة لتحقيق نصر
على سلاحهم الوحيد في مناجزتي ، وقلت لهم لا يوجد في ليبيا أكثر من الروابط فالكل
له رابطة سواء ربطت أم لم تربط .. وهنا ليس مربط فرسنا الراكضة بهذا الموضوع، لذلك
فأنني نكاية في كل أصدقائي الكتاب والصحفيين ذوي الشعر الكثيف على الرؤوس والتي لم
تتأثر بكل عوامل التعرية التي تعرضت لها كل هذه السنيين.
قلتم لهم أنتم تعلمون أن حالة تصحر
غزت هامتي فجردتها من غطائها الأسود وحتى الأبيض وصارت جرداء تلمع، لذلك قررت جمع
توقيعات كل الصلع، وسأسعى لأكون رابطة ولا يهم من يكون على قمتها من الصُلع، ولا
يهم أن تكون من بقعة واحدة من هذا الوطن، أو قبيلة واحدة، ولا يهم أي كانت ميولهم
وتوجهاتهم، ولا يهم مستواهم التعليمي.
فغر الزملاء ذوي الشعر أفواههم لأن
هذه الفكرة غريبة بالفعل ولم تطرق من قبل، وأيدني بعضهم مشجعا، وشاكسني بعضهم
ممازحا، المهم طالت الأيام وتلتها الشهور والسنوات، حتى كانت مكالمة منذ أيام
ربطتني بصوت الشاعر المرهف الحس صديقنا العزيز هليل البيجو، وبعد السلام والسؤال الليبيين
المعتادين، أخذنا الحديث للطقس فقال لي هذه الأيام أحوال الطقس يا عزيزي لا تسمح
لي أو لك بالخروج، فهمت قصده على الفور واستغرقنا في ضحكة طويلة، وسردت له قصة هذه
الرابطة، فقال بالفعل فكرة رائعة ولما لم تسع لتنفيذها هكذا أردف البيجو، فقلت له
وقفت عن السعي لتنفيذها لأن أصلعا جميلا من مدينتي طبرق، والتي لا يغيب عن أهلها
الفطنة والحنكة، واستخراج ما قد يغيب عن ذهنك هذا الطبرقي العزيز قال لي : أيها الصديق
فكرتك رائعة وهي تعطي شعورا نفسيا مريحا لمن انمحت من
هاماتهم غابات الشعر، لكن ألم يدر بخلدك أن (الصٍّحَاحْ) وهو تعبير ليبي ومصطلح
لأولئك الذين ملئوا الوطن بتدخلاتهم في كل أمر يعنيهم أو لا يعنيهم، يفهمونه أو لا
يفهمونه، حيث حذرني هذا الأصلع العزيز من أن هؤلاء سوف يلتفون على رابطتك، وتجد في
قمتها خمسة من ذوي الشعر المنسدل على الأكتاف، لذلك يا عزيزي " هليل "
وكل الصلع توقفت عن إنشاء رابطة تجمع كل الرؤوس اللامعة في بلادنا.
10-9-2009
أقنعونا !
يبدو أن الخلل كبيرا في إدارات الدولة
الليبية وإلا لما حدث هذا الأمر البسيط ، فبعد كر وفر وإلغاء لنظام الأربع سنوات
وتطبيق نظام الثلاث البديل في المرحلة الثانوية ، وبعد خروج أهل التعليم علينا بأن
التصحيح هذه السنة سيتم وفق "الكمبيوتر" عفوا الحاسوب فقد أحاسب كونني
لا أعرب مصطلحات الميكنة والإدارة المستوردة، وبعد عدة ندوات وظهورعلى مختلف
الشاشات وتصريحات هنا وهناك، ظهرت النتائج ومعها ظهرت الشكاوى وعدم التصديق من
الطلبة لما يحدث لهم، والغريب لأول مرة اسمع من البعض بأنهم كانوا يعتقدون أنفسهم
من الراسبين فتفاجئوا بنجاحهم ، والبعض توقع رسوبه في مواد معينة وذلك لتركه ورقة
الإجابة بيضاء ليجد نفسه من الناجحين .
شخصيا لم أعر كلام الطلاب اهتماما لأن
الطالب عادة ما يتحامل على المعلم، لكن هذه المرة جاء الخبر اليقين من درنه
الجميلة، فبعد ظهور نتيجة العلوم الهندسية في مدينة درنة والتي لم ينجح منها سوى
طالبين، تفاجأ البعض منهم بنجاحه بعد مراجعة لدرجاته، وهنا يبرز سؤال بقوة .. هل
سيصدق أولياء الأمور بعد الآن أي نتيجة لأبناءهم ؟؟ خصوصا في حالة الرسوب ؟؟ وهل
سنلوم أبنائنا بعد اليوم ؟؟ بالطبع لا.. لقد ضاعت الثقة، وشخصيا لن اصدق أي نتيجة
من هؤلاء الذين اعتقدنا بأنهم أمناء على جهد أولادنا، ومستقبلهم، وربما سيهون
الأمر إذا سمعنا عقابا لوزير، أو مدير، أو مصحح لامتحان، أو راصد لدرجات أهمل في
وضعها بالصورة الصحيحة ؟؟ على الأقل هذا الشيء هو من بديهيات الإجراءات التي تحدث
في مثل هذه الأوضاع في الدول التي لديها أقل درجة من الحرص .
ماحدث ليس اختلاس لملايين الدينارات
التي تعودنا عليها في مشاريعنا، وليس إعطاب مصنع أو عدة مصانع دأب مدراؤها
والعاملين بها على إفشالها، وليس سيارات لمؤسسات الدولة يركبها أولاد المسئولين
ويستهلكونها بدل أن تقدم خدمات للشعب، إنه يا سادة جهد وعرق وأعصاب عائلات عانت الأمرين
طيلة سنوات ، ليأتي شخص لا مسئول يقضي على مستقبل جيل .
في الختام نأمل أن لا يمر هذا الأمر مرور
الكرام ويجب أن تزاح كراسي من تحت البعض، وتطال المحاسبة والعقاب البعض الآخر، وأن
يتم التدقيق في هذه الأمور مستقبلا لأن هذا الأمر أثره المدمر سيبقى لأجيال وأجيال،
كما أن أمر حدوثه في العالم شبه مستحيل لكنه حدث عندنا ونتمنى أن لا يمر
مرور الكرام ..
16-6-2006
نظرة واقعية لجزء من الحالة المحلية
عندما تريد أن تكتب عن الجانب السلبي في بلادك في أي أمر من الأمور سواء
سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فانك تأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير هذا الأمر على مجمل
الحياة في بلدك ، ولابد أن تكون موقنا بأن الخير والشر صنوان لا يفترقان منذ أن بدأت
تباشير حياة البشر تلوح في أفق هذه الدنيا الفانية والتي لا نتذكر هذه الصفة الأخيرة
لها إلا عند فقد عزيز لدينا ، المهم .. في كل بلاد العالم يستشري الفساد، ابتداءً من
أكثر دول العالم تخلفا واشتعالا بالفوضى مثل الصومال وأفغانستان مرورا بكل المجتمعات
الزاهرة وصولاً لأمريكا التي ينظر إليها البعض على أنها قمة العالم في كل شيء.
عندما تزور بلدا ما فإن حكمك على نجاح مقاليد الأمور فيه عدة أشياء وبالطبع
تختلف هذه الأشياء باختلاف نمط تفكير كل إنسان وبيئته التي جاء منها ، ومشاربه الثقافية
والدينية واهتماماته الشخصية ، ولكن تظل هناك
عدة نقاط لا يختلف عليها عاقلان هذه النقاط وباختصار شديد وحسب فهمي المتواضع ورؤيتي
البسيطة لهذه الحياة ألخصها في الآتي :
نمط وشكل تعامل الأجهزة الأمنية في منافذ هذا البلد مع القادم والمغادر
سواء كان مواطنا أو مقيما أو عابر سبيل وهذه النقطة للأسف تعتبر في غاية التخلف ليبياً
وحتى لا أكون ظالما هناك من الدول العربية من هو اشد تخلفا ولكن هذا لا يعني أن نقول
لا بأس مادام هناك من هو أشد تخلفا .
طرق وشوارع هذا البلد سواء في مدنه أو قراه والملاحظ لهذا الأمر يستغرب
اشد الاستغراب وضع هذه الشوارع والمدن والقرى فالطريق العام الرابط بين طبرق وغرب وشرق
البلاد يمكنك أن تلخص مساوئ طرق العالم وشوارعها في حالته المزرية ، والدليل أن الأسوار والمباني زحفت
حتى وصلت لرصيف الطريق العام وشاهدت منذ أيام أعمال ازدواج طريق طبرق أمساعد والتي لا أدري متى تتم فقد تعودنا
على مشاريع مدتها شهوراً تستغرق أعواما طويلة ، هذا الشارع إذا كتب لازدواجه النجاح فستنتهي حياة الكثيرين من محبي سباقات الطرق عندنا
على ألواح أعمدة الكهرباء التي لا تفصلها سنتيمترات قليلة عن رصيف هذا الشارع .
هناك أمور مخالفة أصبحت مألوفة وأكثر من المألوف تتمثل في عدم احترام إشارات
المرور وآداب الطرق العامة من سرعة وعبور الشوارع في غير اتجاهاتها وسرعة تفوق المحدد
بكثير ، بل ووصل أمر الاستهتار أن تتم أمام أنظار المكلفين لوقف هذه المخالفات دون
أن يحركوا ساكنا لوقفها .
حدائق ومساحات المدن الخضراء والتي
غزتها الخرسانة المسلحة وأصبحت مدننا أشبه بحصون حربية عائدة لحروب العصور الوسطى
.
المظهر العام للسيارات الخاصة والعامة التي تسير على شوارع هذا البلد،
والمتابع لهذه الحالة يجد أن أغلب سيارات ليبيا بعيدة كل البعد عن المظهر الحضاري والشكل
الأنيق الذي عليه أعلب سيارات دول العالم الأقل إمكانيات من ليبيا.
نمط البناء الذي لايعبر عن أي لمسة جمالية أو تاريخية في كل المدن الليبية
، بحيث أصبحت المساكن الحديثة عبارة عن عشوائيات حديثة .
رجل القانون أصبح أسير العرف وعادات اجتماعية تتمثل في أن المخالف لا يطاله
القانون لأنه من عشيرته أو قبيلته أو من طائفة اجتماعية معينة هي المسيطرة لكثرة عددية
أو سطوة مالية .
هذه المظاهر تعبر عن أن هناك خللا في التطبيق للقانون وأن بعض الأمور في
آلية العمل الإداري بليبيا تحتاج لإعادة نظر ومراجعة قوية لهذه الأمور التي تؤثر على
واقع الحياة اليومية والمظهر العام للبلاد وتوحي للمار بأن هذه البلاد لا رادع ولا
واعز فيها .
25 يوليو 2007
خليك بالبيت على
طريقة الليبية
لاشك أن راديو وتلفزيون الليبية حققا
الكثير من القفزات الإعلامية التي أسعدت على الأقل المشاهد العادي الذي وصل لمرحلة
عدم متابعة وسائل الإعلام الليبية بكافة ألوانها وأنماطها التي تعتمد المباشرة
والجمود في مخاطبة المشاهد والقاريء .
أيضا لاشك أن وجوها كثيرة من العاملين
في هاتين الوسيلتين الراديو والتلفزيون حققت استحسان الكثير من المتابعين، ولكن
ليس معنى هذا أن كل ما يصدر عن هاتين القناتين بعيدا عن منظار النقد، وحتى لا أتهم
بأنني متحامل على هاتين الوسيلتين أقول بأن لهما بعض الإيجابيات، لكن المهم أن
نشير لأي هنات فيهما، فقد لفت انتباهي برنامج استضاف المطرب الشاب أيمن الأعتر، يقدمه المذيع أحمد بن خيال والذي تقريبا كان
يقدم في برنامج بنفس الطريقة في راديو الليبية، وهنا أقول بأن لابد للقناتين الراديو والتلفزيون الفصل في
الطاقم الصحفي من مقدمين ومعدين حتى يكون لكل قناة منهما شكلا خاصا ونمطا يختلف عن
الأخرى، ولا تكون إحداهما نسخة مكررة من الأخرى خصوصا أن تجربة البداية في عالم اليوم
يجب أن لا تأخذ وقتا طويلا، وكذلك لأن الإمكانيات المتاحة لهما تفوق بكثير قنوات
عربية عديدة لها مكانتها في عالم الفضاء التلفزي .
عودة لبرنامج أحمد بن خيال وضيفه أيمن،
ومع احترامي لجهد كل طاقم البرنامج أقول بأن الإصرار من مقدم البرنامج، وهذا ينطبق
على أي مقدم وفي أي برنامج على التضييق على ضيفه وحصره في خانة سؤال معين ليس
معناه أن هذا المقدم أو المحاور قويا في حواره وأن أسئلته مفحمة حتى أنها أعجزت
ضيفه وسببت له إحراجا، وللتدليل أزعجني وربما أزعج المشاهد عموما طريقة المحاور بن
خيال في تكرار نفس السؤال وبطرق مختلفة خصوصا فيما يتعلق باللهجة الليبية ورغم أن
الضيف أوضح بطريقة صريحة وواضحة بأن الأمر يتعلق بالعمل والانتشار وأن الأمر خاضع
لشركات الإنتاج ، ولكن المقدم أصر على طرح ملحقات للأسئلة حول هذا الأمر على شاكلة
وهل شخصيتك ضعيفة أمامهم ؟ ولماذا لا تتخلى عن العمل وتدفع الشرط الجزائي ؟ وأعتقد
أن الأمر ليس بالسوء لهذه الدرجة فقضية عدم انتشار اللهجة الليبية مسألة تخضع
لأمورعديدة ولا تتعلق بأيمن الأعتر، سواء غنى خليجي أو لبناني أو مصري، والفن عموما
لم يعد مجرد فن بل سياسة كاملة، تحتاج لعدة أمور عديدة لا يزال الوسط الفني الليبي بعيداً كل البعد عنها ؟ .
أيضا سؤاله عن قصة السيدات الليبيات
اللائي اتصلن بعضو التحكيم السيدة فدوى ورغم أن المذيع نفسه أجاب بقوله لو أن
السيدة حول لرصيدها مبلغ مالي كما قال نقلا عن أحدى وسائل الإعلام ، لما قالت ذلك،
في الختام ونحن نعرض جزء قليل مما حدث من سوء توفيق في هذه الحلقة من برنامج ملتقى
النجوم لمقدمه بن خيال نأمل له التأني في طرح أسئلته وتدقيقها وغربلتها بما يتماشى
مع عصر اليوم الإعلامي وليس معنى أن تكون محرجا لضيوفك أنك صرت إعلاميا خطيرا.
8-8-2008
أيها العرب
استعدوا لصدمة أوباما
من
خلال ما نقرأ ونشاهد ونسمع من العرب على كافة الصُعد نجد أن اهتمامهم بالانتخابات
الأمريكية يفوق اهتمام أغلب الأمريكيين
أنفسهم، فالعرب عادة يزرعون آمالا حتى وإن كان موطنها سرابا بيقعة، العرب كعادتهم
دائما ينساقون وراء الدعاية الانتخابية الأمريكية أكثر من الناخب الأمريكي، وهذه
الأيام كل قلوب العرب من عامة وأهل قرار تخفق ولها سياسيا مع كل ظهور لهذا الرئيس
الذي يحمل في عروقه دما أفريقيا غير نقي، فهو من والد أفريقي وأم بيضاء أمريكية
كما يعلم الجميع .
هذا الهجين الذي وصل لسدة الحكم الأمريكي
يأمل العرب بكافة شرائحهم بأن تكون لديه جرأة غير مسبوقة لكل الرؤساء السابقين
وينظر لحال العرب وقضاياهم بنظرة على الأقل تشعرهم بوجود اهتمام أمريكي بما يحدث
في هذا الجزء من العالم .
ويبني العرب أغلب ظنهم وأغلب طني أنه
من الظن الخائب، على بعض الشذرات التي تطايرت من تصريحات لأوباما هنا وهناك، قال
فيها على استحياء ربما مردة الخوف من غضب (اليهود) بأنه لابد للفلسطينيين والعرب
من العيش في وفاق، وإن لم يشرح لا الطريقة ولا الأسلوب الأمثل لهذا التعايش، وطبعا
في مقابل هذه التصريحات هناك تصريحات له واضحة وضوح الشمس بشأن التعامل مع اليهود
ودولتهم، تؤكد بأن النهج الديمقراطي يتخذ طريقا طويلة مريحة، لكنها في نفس الوقت
تؤدي إلى نفس النتيجة التي يوصل إليها أي طريق جمهوري أو ديمقراطي سابق أو لاحق.
وللتذكير نقول بأن موقفي أوباما
وماكين الجمهوري إبان فترة الصراع الانتخابي يتفقان حول التعامل مع العرب
والإسرائيليين حيث نجد أهم النقاط في كلتا
الأجندتين كالآتي، التزام أمريكا تجاه إسرائيل ثابت غير قابل للنقاش، أيضا القدس
عاصمة أبدية لدولة اليهود، عزل حماس وكافة المنظمات المقاومة بحجة تبنيها الإرهاب
وكذلك عدم اعترافها بإسرائيل، وربما ما جعل العرب وأغلب إعلامييهم وإعلامهم يُهلل
كما قلنا سابقا هو بعض التلميحات من (باراك حسين أوباما ) من شاكلة، تأييده قيام
دولة فلسطينية، لكن نسي هؤلاء بأنه يؤيد في الوقت نفسه بقاء المستوطنات اليهودية
على أراضي الضفة الغربية ما يتعذر معه عملياً قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة
على أرضها، أما موقف ماكين فيتلخص في نقطتين رئيسيتين: مضاعفة المساعدات العسكرية
الأميركية لإسرائيل، وعزل أي محاولة ضد اسرائيل إن وجدت.
كما لا يمكننا تجاهل القسم الخاص في
وزارة الخارجية الأميركية قسم يُطلق عليه «مكتب الدبلوماسية الشعبية» تنحصر مهمته
في تجنيد إعلاميين عرب لتقديم مواد إعلامية إلى جمهور المشاهدين والمستمعين
والقراء في العالم العربي بغرض التضليل العمد بما يتلاءم مع غايات الإستراتيجية
العالمية الأميركية.
لذلك على العرب أن لا يطمئنوا كثيرا لأن
هذا الأفريقي لا يملك لاهو ولا أي رئيس أخر لأمريكا صلاحيات رؤساء العرب وملوكهم
وحكامهم، والتي بموجبها يأمرون ويوجهون دفة الأمور وفق رؤيتهم الشخصية، بل أن
هؤلاء الرؤساء يسيرون وفق أهواء اللوبي الصهيوني أولا ومصالح أمريكا ثانيا، ولا
تنسوا ماروجه مكتب الدبلوماسية الشعبية حول المرشح الجمهوري جورج بوش الابن
وعلاقته بالعرب منتجي النفط، وأعتقد بأن أفعال بوش الابن لم يطويها طويل زمن
لنُذكر بها، ونقول ختاما جهزوا أيها العرب عقولكم وقلوبكم لصدمة جديدة من أمل جديد
زرعتموه في البيت الأبيض لكنه سيطير بمجرد أن يصير له جناحين .
25-1-2008
أكره الأخبار
وأشياء أخرى
تستفزني نشرات الأخبار، لذلك تجدني في
أحايين كثيرة أقاطعها بشكل تام وللحقيقة ينتابني شعور بالكره لها منذ زمن بعيد
نتيجة لتراكمات ورثناها من طريقة معينة من قنوات معينة زمن الإرسال الأرضي، فقد
كان الأسلوب الفج وطريقة العرض وصياغة الخبر تجعلك تشعر بالغثيان مع العذر من
الجميع، لكن بلا شك تغيرت الأمور وصار المجال الفضائي التلفزي رحبا وكثرت القنوات
التي تقدم لك الخبر مغلفا بشكل لائق وفي صورة غاية في الوضوح، وبصياغة قريبة من
النثر الجميل، وبوجوه جميلة من المذيعين والمذيعات ذوي الثقافة واللغة والحضور
والتي تجعل من متابعتهم متعة مع الإفادة.
لكن أيضا تسلل لنفسي ميلا لعدم متابعة
الأخبار، والسبب هذه المرة ليس من الوسائل التي تقدم الخبر، فلقد ولت سنوات سيطرة
الخطاب المباشر والصياغة الجامدة، والأسلوب العسكري في التقديم، والرؤية الواحدة
للتحليل، وباستطاعتنا المتابعة للأخبار وفق ما نبغي ونشتهي، لكن الكره هذه المرة
من أن جميع القنوات الإخبارية للأسف دائما تسوق لنا الأخبار والعرب هم الضحية
دائما، والحصار والقتل والتدمير والقرارات الدولية هي دائما ضدنا، ويزداد قهرك
عندما تجد العرب الآخرين الذين لم تطالهم آلة الطحن مباشرة يساهمون مع مرتبة الشرف
في تطبيق كل الآليات التي من شأنها زيادة الألم على المحاصرين والمعتدى عليهم، بل
أن هناك من يجزم من العرب بأن هؤلاء الضحايا هم السبب وأن جلاديهم وقاتليهم معهم
كل الحق.
ما الجديد إذا الذي سأقدمه بكلامي حتى
هذا السطر، بكل تأكيد لا جديد، وهذا أمر معروف حتى للذين لا يملكون نضجا سياسيا أو
لا يهتمون بما يحدث في العالم، الجديد هو أن اليهود صارت لهم قلوب ترق لحالنا فلقد
شاهدت للأسف مجموعات منهم وكما يقول الخبر بدأت تتنامى ويكثر أعدادها تدعوا لرفع
الحصارعن غزة، ومحاسبة المسئول عن قتل الأطفال والنساء فيها؟ يا إلهي حتى أعداءنا
صاروا أكثر من بعضنا في رقة القلب والإنسانية، أما أولي الأمر العرب فقلوبهم ليست
طوعهم بل طوع (الريموت كنترول) الموجودة في الكنيست والبيت الأبيض ولذلك لن تخفق
قلوبهم إلا بنبض أسيادهم.
بعد كل هذا هل باستطاعتنا أن نجادل
أحدا؟ أو نقول لأحد بأننا جديرون بالعيش فوق هذه الأرض وتحت هذه السماء؟ ماذا
سيقول عنا التاريخ ونحن نتفرج على أمثال هؤلاء يقودون ويقررون مصير هذه الشعوب؟ هل
تكفي حججهم بالسلم والأمن العالميين؟ هل هذا يبيح لهؤلاء أن ينسوا حتى القرار
السياسي ؟ هل يكفي أن تخرج الجماهير تهتف حتى تبح حناجرها وهي تتعهد بالويل
والثبور وعظائم الأمور؟ ثم تقف عاجزة لأن الممرات مقفلة من قبل حكوماتهم
وزعاماتهم؟ هل يكفي أن يكرر وزراء الخارجية العرب اجتماعاتهم الطارئة كلما حدثت
كارثة لإخواننا ؟ ثم تبحث عن نتيجة لذلك فتجد القرارات والاجتماعات ذهبت مع ريح
الخلافات، لذلك لن يكون بمقدرونا إلا أن نستمر في كره الأخبار التي تذكرنا بعجزنا
وعجز من أوجدوا عنوة فوق رؤوس هذه الشعوب المغلوبة على أمرها .
العرب بين الريادة والسياسة وأشياء أخرى
لا يستطيع احد أن ينكر أن لمصر
الخمسينيات والستينيات وحتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، دورها
البارز والمؤثر في أغلب مجالات الحياة في الوطن العربي، كما أن كثيرا الرؤى والاتجاهات السياسية
والأفكار المتعلقة بها كانت تستقي معينها من الحراك السياسي والثقافي في مصر، كما
أن الحياة الثقافية والفنية كان النموذج المصري هو المؤثر والمحرض لأي توجه عربي
في هذه المناحي.
ويقينا أغلب المثقفين والمهتمين
بجوانب التاريخ العربي يدركون أن الريادة المصرية هي حقيقة ثابتة في أغلب هذه
الأمور، فمصر هي رائدة الصناعة والتطوير العربي، ومصر هي رائدة الحراك الثقافي من
كتابة وصحافة وفن بجميع صنوفه، وهذه الحقائق الكل يؤمن بها سواء من الجانب المصري
أو العربي، وظل هذا الإيمان يظهر بصورة جميلة وشفافة فلا المصريون يصدحون به
بمناسبة أو دونها، ولا العرب عاملوا المصريون بأي سلوك سوى سلوك ينم عن تقدير
الدور الريادي لمصر.
هذه الطريقة في المعاملة من الجانبين
ظلت تفرض وجودها حتى حقبة الثمانينات حيث ظهرت موجة من قبل الدوائر الرسمية في مصر
والتي صارت تشعر العرب بأن عليهم بمناسبة أو دونها أن يذكروا فضل مصر عليهم، وأن
لا دور لبقية العرب في كل أمور حياتهم لولا الدور المصري، ومع الأيام صارت هذه التوجهات
التي كانت سياسية بطبعها نظرا للمقاطعة العربية.. أيضا.. السياسية لمصر بعد معاهدة
السلام التي وقعت في عهد الراحل السادات، وبالتالي صارت السياسة المضادة تحاول
التنصل من الدور المصري بإنكاره تماما والسبب كما قلنا أن الجانبين أخضعوا دور مصر
ليس للتاريخ إنما لمزاجية السياسة، ونحن تعودنا بأن السياسة العربية لا تخضع لمنطق
ولا تفصل بين الأمور.
ومع تراكم السنوات وتتالي القطيعة
وتغير الأنماط والسلوك صار كل أمر أو حدث تاريخي يحاول بعض المصريين أن يكون باسم
مصر مهما كانت الحقيقة غير ذلك، وعلى الجانب الآخر ظهرت جبهة مضادة تبحث في أصل كل
أمر لتخرج مصر منه، وللتدليل البسيط ظهرت منذ أيام قناة تحمل اسم التلفزيون العربي
وهي قناة شبهة وثائقية تؤرخ للتلفزيون المصري والذي سمي بالتلفزيون العربي وهذه
التسمية ليس قناعة من القائمين عليه آنذاك، بل للتوجه السياسي الذي كان يفرضه عبد
الناصر على مصر في تلك الحقبة، هذا التلفزيون الذي كان يمثل الجمهورية العربية
المتحدة وظهر بثه في مصر وسوريا تقريبا في نفس التاريخ.
ونعود لقصة القناة التي ظهرت في
احتفالية التلفزيون المصري بعيد تأسيسه الخمسين، وحقيقة صرت متابعا لها لأسباب
عديدة فالفن والبرامج في تلك الحقبة الغنية بالكفاءات تحتم علينا نحن الجيل الذي
تتلمذ على فكر عباقرة ذلك الزمن أن نعود لأي شيء يعود بنا إليها، كما أن وجودنا
بمدينة طبرق والتي كانت محظوظة بمتابعة التلفزيون المصري وبعض الأقنية العربية
الأخرى قبل الوسائط الفضائية، جعلت لدينا ذكريات جميلة مع برامج التلفزيون المصري
في السبعينات والثمانينات، وسأتوقف حقيقة أمام أمر جعل من متعتي مع برامج هذه
القناة يشوبها نوع من الحزن والأسى فلقد تابعت خلال الأيام الأولى لبث هذه القناة
وفي شريط يعرض أهم تواريخ التلفزيون المصري بان السبق والريادة لمصر فهي أول دولة
عربية صار لها بثا تلفزيونيا خاصا بها، مع أن التاريخ والمنطق يؤكد بأن أول
تلفزيون عربي خالص في دولة عربية مستقلة هو التلفزيون العراقي والذي بدأ بثه
الرسمي في عام 1956، كما أن التلفزيون الجزائري تعود جذوره أيضا لفترة الخمسينات
وإن كان البعض يقول بأن هذا التلفزيون الجزائري لم يكن جزائريا خالصا لوقوع
الجزائر حينها في قبضة الاستعمار الفرنسي.
ختاما نحن لا ننكر لمصر ريادتها،
ولكننا أيضا نطلب منها ومن مؤسساتها ومؤرخيها احترام عقلية المواطن المصري أولا
والعربي ثانيا وذكر الحقائق مجردة، وكما كان لمصر دور في كل الأمور العربية فإن
بعض الدول العربية تفوقت على معلمتها مصر فوسائل الإعلام العربية تجاوزت محليتها
وإقليميتها وصارت عالمية التوجه والإمكانيات، وكل سنة والتلفزيون العربي بخير.
التشويش
والجزيرة والمونديال
لاشك أن كاس العالم استحوذت على عقول
وقلوب البشر، سواء أحببنا ذلك أم لم نحب، المونديال صار مع الزمان فرصة للتمتع
بأساليب وفنون اللعبة ومهارات وقدرات نجومها.
ومع تنوع البث التلفزي وظهور سياسة
الاحتكار صارت نجومية المونديال تطال القنوات التلفزية التي تساعدها ظروفها
وامكانياتها باحتكار هذه التجارة الرائجة والرابحة على الدوام، وطبعا قناة الجزيرة
صارت من القنوات العالمية في هذا المجال، وصار المشاهد العربي يثق فيها وفي
كوادرها سواء في السياسة أو الرياضة.
وكما هو معلوم فقناة الجزيرة حظيت
بحقوق بث هذا المونديال، والحقيقة أنها وفرت للمشاهد وجبة دسمة تجعله يتسمر أمام
شاشاتها العديدة التي تتابع أخبار المونديال من الصباح وحتى الصباح، وحتى أن تشويش
الهكر أو فعل الفاعل كما أعلنت الجزيرة لم يؤثر في حب المشاهدين لها ورغم أن أغلب
القنوات الأرضية العربية تعرض أهم مباريات هذا المونديال فإن قنوات الجزيرة لا
تزال بُغية المشاهد في هذا المونديال.
ومع كل هذا الحب فأنني أقف أمام نقطة
هامة وهي أن المعلقون بهذه القناة وبعض محلليها طالهم تشويش من نوع أخر، وهذا
التشويش ليس كسابقة فهو قد يؤثر على المشاهد، ويتمحور هذا التشويش حول أسلوب تناول
بعض المعلقين الذين صرنا نسمعهم أكثر من غيرهم، ولا ندري السر في ذلك، كما أننا لا
ندري سببا مقنعا منهم ومن بعض المحللين على التهليل والتطبيل لمارداونا وكأنه رجل
خارق آتى من كوكب أخر لإنقاذ البشرية ونسوا كل سلوكياته وأفعاله التي يندى لها
الجبين، فالغريب إن بعض المعلقين يتنازلون عن كثير من أبجديات التعليق خصوصا
الحيادية والوصف المنصف، فسمعنا منهم هالة من الكلام لميسي الذي لم يفرح بعد بهدف
يتيم رغم أنه مهاجم وهداف هذه وظيفته، أيضا سمعنا منهم تبرير لم نسمعه إلا
للأرجنتين حيث يقول أحدهم أن الأرجنتين تحترم المنافس في معرض دفاعه عن أسباب
سيطرة الفريق المنافس، لأننا سمعنا منهم هجوما كاسحا ضد البرازيل عندما لعبت بدون
نسق قوي في أخر مبارياتها، ولم يقولوا أنها ضمنت الترتيب الأول ولذلك لا تريد أن
تتعب لاعبيها وترهقهم حتى بقية المشوار.
أيضا محاولة الرفع من قيمة ميسي رغم عدم تقديمه لمستوى
يؤهله ليكون من كبار النجوم وربما هناك لاعبين في الأرجنتين أفضل عطاءً لم يأت
هؤلاء المعلقين والمحللين على ذكرهم في ظل هيامهم الغريب بميسي ومارادونا، ومن
أكثر الأمور غرابة هو فرح أحد المعلقين وهو يستعرض رقم سجله اللاعب الأرجنتيني
فيرون حين أورد أن هذا الأخير استطاع تحطيم رقم اللاعب البرازيلي دونجا في عدد التمريرات
الصحيحة وعلى الملأ قال أن فيرون تجاوز رقم دونجا في مباراة اليونان، وطبعا هذه
مباراة في الدور الأول وضد فريق ضعيف، بينما رقم دونجا في المباراة النهائية على
بطولة العالم وضد منتخب ايطاليا وحقق دونجا الكأس في تلك البطولة.
وأخر في معرض التماس الأعذار لميسي
قوله أن الحراس يتألقون بشكل غريب أمام ميسي رغم أن هذا الأخير لم يواجه أي من
الحراس المصنفين على العالم مثل البرازيلي سيزار أو الأسباني كسياس، في الختام من
حق المعلق الانتماء وحب أي لاعب ومنتخب لكن أيضا من حقنا أن لا نسمع تشويشا على
أذاننا فيكفينا الفوفوزيللا المزعجة، ونتمنى أن تجد إدارة الجزيرة حلا لهذا الخلل
لكي لا نضطر لمشاهدة الجزيرة بالمعلق الإنجليزي أو الفرنسي حتى لو كنا لا نجيد أي
من اللغتين .
التعليقات سلوك
أم قصور ثقافي
لا شك في أن ظهور تكنولوجيا المعلومات
والانترنت أتاحت فرصا كثيرة للمهتمين بمتابعة كل جديد وحديث ، وأتاحت فرصا كثيرة
للإنسان العادي في التعبير عن وجهة نظره بعيدا عن
مقص الرقيب والمتابعة من أي نوع كان ، والمتابع المدقق لعالم الانترنت يجد
أن الايجابيات تفوق السلبيات أثرا حتى وإن تكاثرت هذه السلبيات وأوجدت واقعا
تمويهيا غطى على الايجابيات التي نسعى للاستفادة منها ، وفي ليبيا رغم انقطاع
الصحف العربية والأجنبية ردحا من الزمن وجدنا في هذه العوالم بديلا قويا لمتابعة
أحدث الأخبار والمستجدات وجعلتنا في دائرة الحدث متأثرين ومؤثرين به وفيه كما صار
بإمكاننا متابعة إبداعات المبدعين من فنانين وكتاب وأدباء على مختلف السُوح
العالمية .
أيضا هذه السوق المعلوماتية أتاحت
لكثير من المهتمين بتوصيل ما ينتجونه من إبداع إلى الآخرين فظهرت المدونات
والصفحات والمواقع الشخصية التي من خلالها انتشر المبدع الليبي وارتبط بغيره من
المبدعين في كافة أنحاء العالم والذي صار يسمى نظرا لهذه الطفرة بالقرية الصغيرة ،
كما ظهرت مواقع تتيح للمواطن البسيط التعبير عن ما يجول في نفسه من أفكار ، كما
أتاحت له عرض مشاكله المحلية التي لم تجد سابقا في وسائل الإعلام المحلية أي
اهتمام .
وكعادة أي وسيلة أو اختراع لابد أن
ترافقه سلبيات وهنات ، وليس معنى أن وجدت هنات أو سلبيات ، أن نعمل على تحجيم أو
مراقبة أو منع هذا النهج أو هذه التقنية ، في عجالة نجد أن سلبيات هذه التكنولوجيا
تتمثل في أن المصدر في الأغلب غير دقيق ، أو لا يمكن تحديد مدى صدقه من عدمه ، كما
أن تهويل أمر الإشاعة وإعطاءها بعدا كبيرا لا يتناسب في الأغلب مع قيمتها ، ومع
هذا فإنني سأقف عند ناحية أخرى أفرزتها كثرة المواقع ، وكثرة المتدفقين على عالم
الانترنت ، أيضا محاولة البعض الولوج لعالم الكتابة من باب لا يتناسب مع حجمهم
ولذلك صار هذا الجانب يعج بكثير من الغث وبقليل من المفيد .
هذا الجزء من عالم هذه التقنية ،هو
باب التعليقات الذي تعتمده كثيرا من المواقع ، وككاتب ومهتم لست ضد وجود هذا الباب
ولا أدعو لقفله بحجة أنه تجاوز المعقول في بعض المواقع ، لكن أرى أنه ظاهرة يجب
تشجيعها وتهذيبها ، لأن المعلقين يحملون تباينا في المفاهيم وتفاوتا في التفكير ،
وهم يجسدون مدى المعاناة التي يجدها الكثير من الداخلين لهذه المواقع في التعبير
عن رؤاهم سواء في بيوتهم أو محيط حياتهم ، ولذلك هم يسارعون لنفث كل المخزون لديهم
وبأي أسلوب ، أيضا نجد من خلال متابعة دقيقة لهذه الردود والتعليقات أن الأغلبية
يرتبطون برابط معين ، زمالة مهنية ، أو سكان لنفس المنطقة ، ولذلك تجد أن البعض
يحمل موقفا معينا تجاه الكاتب وليس تجاه الفكرة المطروحة ، أيضا نجد أن البعض
يدافع بشدة من خلال التعليقات عندما تكون موجهة لجهة ما أو شخصيات معينة تربطه بها
صلة ما ، مصلحية أو قبلية أو غيرها ، ويهاجم في حالة أخرى ، وهذا استقرأناه من
خلال متابعة مواضيع معينة تهم جهة معينة من البلاد وفيها إشارة واضحة تجاه جهات أو
أفراد .
يبقى أمر وهو يجب أن تكون لدى المواقع
التي تعتمد أسلوب التعليقات شفافية وصدق ومعقولية في متابعة هذه التعليقات بحيث لا
تترك الأمور للخروج عن مناقشة الفكرة ، من ناحية أخرى أن تواصل الأمر أي أسلوب
اعتماد التعليقات سيثبت جدواه مع مرور الوقت وستتبلور الفائدة بتعود القراء على
أسلوب الواقعية واعتماد المنطق في التعامل مع المواضيع ، كما أن مع مرور الزمن
سيُفرغ بعض أدعياء الثقافة والذين يحملون مواقفا معينة تجاه بعض الكتاب من مناطقهم
شحناتهم ، لأن أغلب هذه المواقف لا مبرر لها ، وربما مردها اعتقادهم بأن وجود هذه
الأسماء عائق أمامهم ، وهو تصور لا يمكن أن يكون صادقا سوى من ناحية الكفاءة
والقدرة ، ولذلك ستظل هذه التقنية فائدتها أعم وأشمل مع وجود كثير من السلبيات
خلقها بعض المتلقين لقصور في الفهم ، وخير دليل ما سيعقب هذا الموضوع من تباين في
الفهم والسلوك من المعلقين .
ما يريده الليبيون لا يريدونه
أعرف بأنني سأفتح على نفسى أبوابا
كثيرة بسبب ما سأكتبه ، لأن البعض عندنا صار همه أن يخالف كل شيء لا يتوافق مع
فهمه أو ذوقه ، فمنذ سنين ونحن نعاني في ليبيا من غياب قوة وهيبة الدولة ، وعلى
الرغم من وجود تشكيلات إدارية ومؤسساتية رسمية
، إلا أن وجودها أصبح شكليا
وتطبيقها لكل ما يهم الوطن والمواطن تتنازعه أهواء شتى .
أغلبنا
يتفق بأننا في حاجة لمراجعة الكثير من تصرفاتنا سواء على مستوى الشارع أو المؤسسات
التي تعنى بتخطيط أمور الحياة أو التي تشرف على التنفيذ ، والجميع دائما يتداولون
فيما بينهم حكايات همسا وجهرا حول تردي الأوضاع الحياتية والجميع أيضا يتفقون على
ضرورة عودة هيبة الدولة عبر مؤسسات تحترم المواطن ما أحترم هذا المواطن الوطن
وتشريعات الوطن ، فالليبي الآن (أي ليبي) باستطاعته أن يدير ندوة يتكلم فيها لوحده
عشر ساعات يعدد لك مثالب الدولة الليبية ، ويبين لك كل خطوات المؤسسات الخاطئة ،
كما يوضح لك الطريقة الوحيدة من وجهة نظره للخروج من كل أسباب الإخفاق والفشل التي
نتجت عن سوء الإدارة .
ظهرت منذ عام ونيف قصة (إزالة من أجل
التطوير) وكتبت على جدران العديد من المزارع والمباني المخالفة ، والتي يتفق كل
الليبيين حول مخالفتها وكانوا إبان فترة التباكي على سوء الإدارة والتخطيط يضربون
بها المثل ، وما أن بدأت اللجان المختصة بعملها
بدأت المتناقضات في الظهور فكثيرا من المتباكين على ضرورة تصليح كل الأخطاء
بدأو يتباكون على حالة المخالفين ويتضامنون معهم ويقولون (بعد أيش) ، أيضا من جانب
أخر بدأ الحذاق والشطار في استغلال أمر التعويض بطرق غير مشروعة مستغلين انتشار
مسئولون من عصر الانحطاط الإداري في كل أمر جديد يبغي الإصلاح والتطوير .
كما أنه لا يخفى على احد أن وسائل الإعلام في ليبيا بكافة مسمياتها لا تجذب
إليها حتى الأطفال لمتابعتها ، حيث لا تلفزيون تستطيع متابعته في أي جانب ، ولا صحافة تصلح للمطالعة والمتابعة ،
وبعد ظهور تجربة مؤسسة الغد شاع نوع من الجرأة في التناول ونقد الذات ، لكن بعد
فترة أوقفت القنوات التلفزية والإذاعية لفترة ، ثم عادت بنسق لا يختلف كثيرا عن
الإعلام الرسمي .
في جانب أخر أهم وأعلى وهو أمر
علاقاتنا مع الدول الأوربية والغربية كان الهمس طاغي في كل مكان حول ضرورة العودة
لتبني سياسات معتدلة مع هذا الجزء المهم من العالم ، وبمجرد أن فتحت نافذة، تكالب
الكثيرون على إقفالها مرددين بعض من كلام مرحلة كانوا يتندرون بكل ما جاء فيها ،
القصة إذا تحيلنا لسؤال ماذا نريد من كل المؤسسات الرسمية سياسية كانت أو اقتصادية
؟ الآن يريد اغلب الليبيين كل شيء ولا
يريدون مع كل هذا الشيء ما يترتب على دخول هذا المجال أو ذاك ، أو يترتب على
علاقاتك بهذه الدولة أو تلك ، سيقول قائل لدينا ثوابت ولدينا مباديء وغيرها من
أمور ؟ .. وهذه قضينا عقود عديدة في سبيل تحقيقها ولم نجن من جرائها سوى تخلف عن
الركب العالمي لأن تحقيقها يحتاج لعوامل عديدة أهمها قدرة الوسط الذي تعيش فيه على
خلق البدائل التي تغنيك عن كل مايأتيك من الدول المتقدمة وهذا أمر يصعب تحقيقه على
شعب يعتبر في بدايات حياته ولا تزال أمور البنية التحتية وموعد فتح المدارس
وإقفالها ، وطريقة الامتحانات أمر يؤرق المؤسسات القائمة عليه .
الأمر إذا يحتاج لإعادة نظر من قبل
المواطن فهل هو مع إصلاح الأمر ، فإذا كان معه فمعنى ذلك لابد أن يتحمل تبعات
الأمر فالسماء كفت عن إرسال الرسل وإنزال الملائكة منذ أن بعث الله محمدا صلى الله
عليه وسلم ، وعلى البشر أن يسعوا في سبيل تحقيق ما يصلح حياتهم ، كما أن القوي في
هذا العالم هو الذي يفرض شروطه ، ولذلك إن لم تستطع أن تكون صديقا لهذا القوي فعلى
الأقل يجب أن تأمن شره .
خير جليس اليوم
جهاز !
هل
أصبح القول الشهير خير جليس في الأنام كتاب .. على المحك .. ؟ وهل أصبحت العلاقة
بين القارئ والكتاب يسيطرعليها عدم التواصل ؟ وهل علاقة الحب الأزلية بين المثقف
والقرطاس أصابها الوهن والفتور .
حتى زمن قريب كان اقتناء الكتاب كل
حين ، وكذلك البحث عن الصحيفة بصورة دائمة يعتبر مظهرا من مظاهرالسلوك الثقافي لدى
نخب الشعوب الراقية ، وكانت تقاس به مدى تفوقها على غيرها من الأمم والشعوب ، ونحن
في ليبيا كنا إلى وقت قريب نفخر بتنامي ظاهرة القراءة وحب اقتناء الكتاب ، وذلك
وفقا لمؤشرات سجلها واقع الثقافة آنذاك من انتشار للمكتبات ، وتنامي انتشار الصحف
الخاصة والعامة وفي مختلف ضروب الحياة الثقافية ، وارتياد الشباب للمراكز الثقافية
، وتنامي دور المكتبة في أغلب المؤسسات التعليمية ، وبهذا تَشكل واقعا ثقافيا أسس
على حب الثقافة بمختلف صنوفها وألوانها .
غير أن هذه الطفرة شهدت تراجعا ملحوظا
ومخيفا منذ بداية الثمانينات أثر بشكل واضح على ظاهرة القراءة لغرض التثقف ومتابعة
المطبوعات عموما ، وذلك لأسباب عديدة منها ، ضعف الصحافة المحلية واعتمادها على
الأخبار المجردة والتحليلات الجامدة وأغلبها سياسي الطابع ، وعدم اهتمامها بالشكل
والإخراج ونوع الورق والألوان إلى غيره من وسائل جذب للقارئ والمتابع عموما ، يضاف
إلى ذلك اختفاء المكتبات العامة والخاصة والتي تتعامل بمهنية وحرفية مع عرض ما
يطلبه المثقف والمختص الراغب في الحصول على الكتاب ، كما شهدت تلك المرحلة انحصار
دور المراكز الثقافية مما أدى إلى عزوف الجيل الجديد عن ارتيادها ، وذلك بسبب قلة
المعروض فيها ، وضعف النوعية والقيمة في المعروض منها ، وعدم تجديد عناوينها بشكل
مستمر يواكب التطور الدائم لهذه البضاعة المهمة في حياة البشر .
كل هذه العوامل مجتمعة جعلت التعامل
مع الكتاب يشهد تراجعا كبيرا ، بدأ أثره يكبر شيئا فشيئا حتى وصل إلى أن سادت
ثقافة التندر بمن يبحث عن الكتاب ، وهذا الأمر تجده يتجسد لدى الجيل الذي يراوح في
عمره بين الثلاثين أقل أو أكثر بقليل ، كما أن الجيل الجديد ممن شارفوا على
العشرينات من العمر أو أقل ، صار الكتاب لديه من أثار الماضي الرجعية ، وذلك لتفتح
أفاقه على وسائل كثيرة تتيح له متابعة الأخبار الخفيفة من فنية ورياضية وألعاب
الكترونية وكثير من غرائبية هذا العالم القرية وذلك بوسائط كثيرة من أجهزة كمبيوتر
وتلفاز فضائي ، حيث لم يعد يكلفك ذلك جهدا سوى الضغط على زر في جهازك وبعدها تنسكب
المعلومات والأخبار بين ناظريك ومسمعك وأنت لا تعمل حتى تفكيرك في متابعتها ،
وبالطبع فإن متابعة الخبر أو المعلومة من خلال الوسائط الورقية لا يزال هو الأمر
الأكثر جدوى ، فهي تعمل على ترسيخ المعلومة في الذهن مدة طويلة وربما تثبها مدى
الحياة ، لكن مرورها عبر وسائط التقنية الحديثة فإنها تُمحى بنفس سرعة التلقي .
لذلك يجب علينا أن نعد العدة لمحاولة
إعادة القارئ للصحيفة الورقية وكذلك للعلاقة الأثيرة بينه وبين الكتاب ، حتى ولو
اضطررنا إلى دعم هذه الوسائط دعما كاملا ، حتى نغري الناشئة بالعودة إليها ، لأنه
لا يعقل أن نعرض صحفنا اليومية رغم هناتها الكثيرة بمبلغ نصف دينار ، كما نعرض له
الصحف العربية والعالمية بما يجاوز الدينارين ، ونعرض عليه كتبا لا تحوي قيمة
حقيقة بما يفوق الخمسة دنانير ، لأن قدرة الشباب محدودة ماليا خصوصا أنهم لم
يدخلوا مرحلة الكسب المالي ولا يزالون يعتمدون على ذويهم في تحصيل مصاريفهم
اليومية ، لكل ذلك علينا التحرك لعودة خير جليس للأنام .. الكتاب وتوابعه ، وإلا
سنجد أن ثقافة جديدة زائلة الأثر ، تجبرنا على تقبل فكرة أن خير جليس في عصر اليوم
جهاز .
عذرا أيها
النعام
لاشك
بأن الموروث العربي مليء بالحكم والأمثال المستقاة من علوم قديمة وتجارب طويلة ،
وأغلبها يردده الخلف العربي بإدراك أحيانا وبدونه في أحايين كثيرة ، ومنها معلومة
خاطئة صارت مثالا يذكر عندما نشعر بأن الوضع الراهن .. أي وضع ، اقتصادي ، اجتماعي
، سياسي ، أصبح وضعا لا يقدم جديدا أو يتيح مفيدا ، خصوصا إذا كان القيم بهذه
الأمور وزيرا أو مديرا وحتى غفيرا ، لا يعير مجاله اهتماما ولا يسعى للتطوير
والابتكار خدمة للوطن والمواطنين ، ويكون الحل عنده تجاهل الأمر برمته وكأنه لا
يراه ولا يشعر به من الأساس ، وأصبح هذا المثل يساق حتى من خلال الممارسة اليومية
للحياة العادية بين الأفراد على كافة مشاربهم الثقافية .
هذا المثل الخاطئ يصف من لا يستطيع
مجاراة الواقع الذي فرض عليه بطرق مناسبة ، ويتصرف بشكل معين يكون الهدف منه
الهروب فقط مؤثرا عدم مواجهة الواقع ،
يصفه بأنه كالنعام يدفن رأسه في الرمال كي لا يرى مُطارده ظانا بأن مُطارده لن
يراه ، وقد اثبت العلم بأن النعام لا يدفن رأسه بل هو سلوك يقرر به عدة أمور
للدفاع عن نفسه ، منها سماع دبيب الأرجل والحركة ورصد الأعداء عن طريق وصول
الذبذبات عن طريق الجمجمة ، وأيضا محاولة منه لجذب انتباه المفترس في حالة وجود
فراخ صغيرة ، كما أن الدراسات أثبتت أن كثيرا ما تُذهل النعامة مفترسها بهذه
الطريقة ويُحار من أي جزء يفترسها ، وبالتالي تقرر النعامة إما توجيه رفسة قوية
للمفترس ، أو إطلاق ساقيها للريح إن لم تكن لديها قدرة على المواجهة .
إذا القصة أكبر من دفن الرأس في
الرمال للنعام ، بل هي خطط وإستراتيجية تتبعها في حالة الدفاع عن حياتها ، أما نحن
العرب فقد حكمنا بظاهر الأمور ووصمناها بالجبن والخوف ، بل بالغباء المطلق ، وصرنا
نتندر بها في الأمثال ، وأصبحنا نلصق هذه الصفة الشجاعة بالجبناء منا .
لقد صرنا نحن العرب نعلق فشلنا على كل
المشاجب ، فتارة الاستعمار ، وأخرى الرجعية ، وحينا العمالة ، ومرات الجهل ، ولم
تسلم منا حتى الحيوانات في إلقاء بعضا من فشلنا في فهم سلوكياتها ، كما فعلنا مع
النعام ، ولن يستقيم لنا حال إلا إذا عرفنا بأن الأمور المعوجة لن تستقيم إلا
باستقامة مسبباتها ، ومعرفتنا بأن مواجهة واقعنا هو الأهم قبل مواجهة الأخطار
المحيطة بنا ، وساعتها لن تهم الطريقة التي نواجه بها ذلك الخطر ، حتى ولو كان ذلك
بدفن رؤوسنا في الرمال، وبعد أن اتضح أن
النعام لا يدفن رأسه في الرمال ، يكون لزاما علينا أن نعتذر للنعام ، وإن كان هذا
الأمر بعيد الاحتمال لعدة أسباب أهمها أننا نحن العرب صرنا لا نعتذر حتى لبعضنا
فما بالك للنعام ، ويضاف إلى ذلك لو عرف النعام بأننا صرنا نضرب به المثل للجبن
لضحك ملء شدقيه حين يعلم بأننا نحن من أمة العرب الحالية .
سيناريو المركز الوطني .. إلى أين ؟
عندما أتخذ
قرار إنشاء المجلس الوطني الذي أحيل إليه الآلاف المؤلفة من الموظفين ثارت ثائرة
الناس وطرحت تساؤلات وأبرزت كثير من الشكوك وكلها تحوم حول أن هذا المركز مشروع
لقطع أرزاق البشر، خصوصا أن هناك الكثير منهم تعودوا على أسلوب عمل ووظيفة لأكثر
من ثلاثين عاما.
وخرجت في نفس
السياق تطمنيات من المسئولين بأن رواتب هؤلاء الموظفين المحالين ستظل كما هي، وأن
لا مساس بشريان الحياة للمواطن والأسرة، ورغم أن البداية لم تكن مخيفة إلا أن كثير
من المواطنيين المعنيين أبدوا تخوفهم باكراً لأنهم تعودوا من المسئولين الليبيين
وإدارات الدولة أسلوب المهادنة لفترة، ثم تغييره بالتدريج حتى يتعود المواطن على
وضعه الحالي ويصير واقعا لا فرار منه، وهذا الأسلوب يبدو أنه هو ما أتبع في قضية
المنسبين للمركز الوطني، حيث الغي المركز وأحيل المستهدفين لمكاتب العمل.
من جانب أخر
لم يتم إيجاد فرص عمل فكما قلنا بأن هناك موظفين قضوا سنوات طوال وقاربوا حتى سن
التقاعد، وهم لا يستطيعون العمل في الأمن العام كما أحيل الشباب الباحث عن العمل،
أو التنسيب للشركات أو الأماكن البعيدة لكل باحث جديد عن العمل، وظهرت قصة الحوافظ
وهي أيضا لم تتماشى مع الكثير، وترتبت عن هذه الفوضى أمور كثيرة منها أن الرواتب
صارت شهرا على الحوافظ وشهرا أخر تعاد لمكتب العمل وضاعت رواتب بعض الشهور نتيجة
الإجراءات المالية ودخلت القصة منحى أخر، حيث وصلت الرواتب الآن للشهر الثالث دون
صرفها لمستحقيها، كما سمعنا بأن الدولة ستصرف مرتب شهر واحد وهؤلاء الناس مقبلين
على شهر رمضان ثم عيد الفطر وهذه الأمور تترتب عليها مصاريف زيادة وأعباء معيشية
هي في الأصل الراتب الشهري المنتظم غير قادر على الإيفاء بها فما بالك بأن تطرأ
عليه عمليات تأخير وغيابات طويلة.
حتى الآن لم
تتضح صورة وضع هؤلاء، هل هم لايزالون موظفين، وماذا سيحدث في علاوتهم السنوية
ودرجاتهم الوظيفية التي توقفت، ما هو مستقبلهم ؟ هل سيتركون لهذه الضبابية
الغريبة؟، شهر تصرف مرتباتهم وشهورا ينتظرون، الغريب أيضا أن فروع مكاتب العمل
وموظفيها المكدسين لا يجدون إجابة سوى أن الأمر من فوق، ولا حل لدينا، وعليكم
بالانتظار، وصار المواطن الذي رمت به الأقدار في هذه المعادلة الصعبة ضحية تساؤلات
عدة، وأمورا غير مستقرة، فمتى تتضح هذه الرؤية، حتى ولو بقرار غير إنساني يقول
استغنت عنكم الدولة، لا نريدكم ولتذهبوا أنتم وسنوات عطائكم وخبراتكم للجحيم، ولا
يهم أن تكونوا أنتم من كنتم تسيرون أعمالكم بصدق وأمانة تُعجز نهازي الفرص، لذلك
جاءت فرصة المركز الوطني، وانتهز النهازون هذه الفرصة وأبعدوكم فأنتم تستحقون ما
يحدث لكم، لأنكم ظننتم بأن بلادكم لن تظلمكم،وأنكم تفعلون الأمر الصحيح، لن من
يفعل الأمور المعاكسة هو الذي سوى وضعه الوظيفي وهو الآن يتأرجح على كرسي دوار
يتمتع بالمزايا الوظيفية لأنه عرف كيف يسبح مع تيار الفوضى، ويفترض بكم أن ركبتم
الموجة معهم وكنتم تحت إمرة مسئوليكم، وتنازلتم عن قناعات أودت بكم إلى هذه الحال،
ولم تحملوا في صدروكم قلوب تنضح بحب الوطن وتسعى لكي يكون أجمل الأوطان، فمتى
تستمر هذه المأساة، ومتى تتحرك الدولة إما سلبا أو إيجابا تجاه هؤلاء الناس .
واجبات وحقوق
يظل المواطن
دائما في كل أنحاء الدنيا، يطالب بأن تكون لديه مؤسسات في الدولة ترعى حقوقه
وواجباته، ولن نقول أن المواطن غير محق في هذه المطالبات، لأن المسئول والمؤسسات
في الدولة أوجدت لخدمة المواطن والوطن، ولذلك ستظل مطالبة المواطنيين في كل أنحاء
العالم بهذه الحقوق والواجبات أمرا شرعيا مهما تغيرت وتباينت وسائل خدمة المواطن
بين الدول وطريقة اختيار المسئول.
وبالطبع
سيوجد اختلاف في طريقة المطالبة وأسلوبها، وذلك لعدة عوامل مختلفة ثقافية ودينية
واجتماعية وبالطبع سياسية، ولكن توجد أسس وثوابت فالمواطن يجب أن يكون على دراية
بما له وعليه، ونحن في المجتمع الليبي نشكوا كثيرا من العديد من المشاكل الإدارية
والتسيرية في أغلب مناطق بلادنا مردها أمور كثيرة، ولكن أعتقد أن أهمها العامل
الاجتماعي الذي أوجد فجوة بين الواقع والهدف من وجود مؤسسات الدولة وأجهزتها
المتعددة، ونظرا لطغيان الدور الاجتماعي على علاقات الليبيين ببضعهم أصبحت كل
الأمور تخضع لهذا المقياس وتدريجيا طغت ثقافة غريبة ظاهرها العام أن هذا المجتمع
لا يتميز بانضباطية تتطلبها الحياة العصرية، وسنسوق هنا نماذج لبعض الأمثلة والتي
صارت تتحكم في سير الحياة اليومية في الشارع الليبي، وتحكم علاقة المواطن بما حوله
من مؤسسات وأجهزة.
على سبيل
المثال تجد أن أغلب الليبيين إن لم يكن كلهم يشكون ويتذمرون من حوادث الطرق وعدم
امتثال سائقي المركبات لنظم وقواعد المرور، لكن بمجرد أن تحدث طفرة من قبل الأجهزة
في بعض المناسبات وتتشدد في تطبيق القانون كما تمليه عليهم واجبات عملهم، يتحول
الليبيون في أغلبهم أيضا للجهة المقابلة ويبدؤون في ممارسة كل أنواع الضغوط على
رجال الأمن لكي يخلوا سبيل هذا المخالف، وأيضا كي لا يحاكم ذاك، ومن يتشدد من
المسئولين سيذهبون للقانون الاجتماعي المزيف ( العرف) لكي يرهبوا رجل المرور أو
الأمن ليتوقف عن مخالفة أو محاكمة ابنهم المخطئ، وللأسف صارت تتداول في أوساط
مجتمعنا ممارسات للضغط حتى في قضايا التهريب والمخدرات لكي لا يخالف ممارسيها حسب
القانون.
صورة أخرى
وهي تتمثل في بكاء وشكوى أغلب الليبيين من حالة التعليم ومستوى التحصيل المتدني،
لكن بمجرد أن تجد مدير مدرسة أو عميد كلية ما يسعى جاهدا لكي يعيد مسار المؤسسة
التي يرأسها لكي تتوافق مع ما أوجدت من اجله وهو تخريج بشر يحملون العلم شهادة
وقيمة، سنجد الكثير من المؤثرين اجتماعيا ورسميا ممن أولادهم غير مبالين بالتحصيل
الصحيح يتدخلون للضغط بأشكال مختلفة لكي يتحصل الفاشلون من أبنائهم على شهادة
جامعية لزوم المظاهر، والأدهى والأمر صار الآن المئات من الليبيين يسعون للحصول
على شهادات الدكتوراة مقابل مبالغ من جامعات معينة في دول عديدة ويعودون ليقدموا
ماعندهم لجيل جديد، وبما أن ماعندهم صفرا ستكون المحصلة جيلا يحمله.
إن مطالبة
المواطن بقوة الأجهزة الأمنية، وإصلاح المؤسسات التعليمية والصحية، وعودة مؤسسات
الإدارة المختلفة لقوتها، لن تأتي إلا بأمرين أن يؤمن المواطن بما يطالب به وأن يكون
على استعداد لتحمل تبعاته، والأمر الثاني جدية من الدولة في فرض هيبة المؤسسات
والقانون حتى لو كان هناك ضحايا كثيرون في بداية التطبيق.
قبل إسدال
الستار
ماذا
سيقدم مهرجان المسرح للمسرح ؟ سؤال يطرح بقوة ، وهو أي هذا السؤال يمكن طرحه بعد أي مهرجان متخصص في
العلوم أو الأدب أو حول المخدرات ، فكثيرا ما تعقد هذه الندوات والمؤتمرات
والمهرجانات وتقدم في الختام توصيات إنشائية تقرأ وتوزع على وسائل الإعلام ويظل
حال موضوع المهرجان أو الندوة أو المؤتمر مثلما كان وربما أسوء .
وسيكون موضوعنا هنا مهرجان المسرح في
دورته الحالية بشحات الأثرية ، وطبعا نتمنى أن يكون مهرجان هذا العام يضم جديدا في
فاعلياته تجعل منه نقلة نوعية في العمل المسرحي ، وليجسد فعلا مؤثرا بعد انقضائه
في مجال المسرح ، وكذلك تطويرا لكل العوامل الملحقة بالعمل المسرحي ، وأن لا يكون
فرصة فقط (للمة) فنية و(هدرزة) مسرحية رغم أننا لسنا ضدهما إذا رافقهما عملا مؤثرا
في موضوع المهرجان .
نأمل أن لا يكون المهرجان طفرة
إعلامية يلتقي فيها بعض الزملاء الصحفيون من كل أنحاء ليبيا، لكي يستغلوا المهرجان
في اللقاءات والمراسلات الصحفية ، مع أن هذا الأمر مطلوب وهو من صميم عملهم ،
لكننا نأمل أن يقدم لنا الزملاء المحظوظين بالحضور تقييما حقيقيا لكل ما سيدور في
كواليس هذا المهرجان ، وأن لايقتصر عملهم على لقاءات من شاكلة الفنان الكبير
والرائع والمعرف ، مسيرته الفنية الحافلة ، حياته الشخصية إلى غير ذلك من أمور
نعرفها مسبقا ، وحتى إن لم نعرفها فالأمر سيان .
نأمل وضع النقاط على الحروف في كل
أمور المهرجان وتبيان القصور لأجل التطوير ، لا أن تكون مجمل المراسلات والكتابات
تتغزل في هذا المدير الذي أشرف ، وهذا المسئول الذي حضر، كما أننا نأمل أن يكون
حضور بعض الفنانين العرب الذين لهم مكانتهم في الوسط الفني فرصة للاستفادة للفنان
الليبي أيضا ، وأن لا تقتصر الاستفادة للفنان المدعو فقط
ويبقى أمر مهم وهو أن يترك هذا
المهرجان أثرا في المتلقي العادي لأن المسرح الذي لا يتعلق به جمهوره هو مسرح فاشل
مهما لمعناه بمهرجانات ومهما كان مستواه، أيضا أمل أن يكون التعامل في قبول
الأعمال المعروضة تحكمه القيمة الفنية أولا وأخيرا بعيدا عن المحاباة لفرق مدن
بعينها ، وفي الختام أمل أن نجد جميع مهرجاناتنا الفنية والأدبية والعلمية ، تقدم
أثرا ملموسا يساهم في تطوير ما أقيمت من أجله.
لا أشاهد مآسي
غزة
شخصيا لا أتابع أحداث غزة ، كلما يقع جهاز التحكم
التلفزي في يدي وأمر على القنوات التي تبث صورا ومآسي القطاع وأهله ، أغير القناة
بلمح البصر ، وأستقر إما على قناة ثقافية أو رياضية ، قد تستغربون هذا من شخص عربي
عليه أن يبكي ويصرخ ويسطر مقالات متوعدة ومهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور
للمحتل .
سأقول لكم أن عدم وقوفي أمام الشاشة
لمتابعة المجازر هو حنقي من وضعنا نحن العرب كشعوب قبل أن يكون حنقي على الرأي
الرسمي بمجملة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر ، فما جدوى أن تشاهد المجازر ؟
لاشيء سوى أن تزداد برودة تجاه شلالات الدم الإسلامية وبالتالي تصل لدرجة أن
مشهدها لن يثير فيك حتى اضعف الإيمان ، ومن هذا المنطلق صرت أتابع شريط الأخبار
عندما تكون الصورة لا تمثل الأحداث المأساوية ، أيضا أغير على محطات الراديو لأسمع
المآسي شفهيا .
أعود لسبب حنقي من الوضع العربي سواء
على الصعيد الرسمي أو الشعبي ، فالرسمي ليس بحاجة لشرح مؤتمرات وقمم وقرارات غاضبة
على الورق ، ولكن تابعت جزء من أحدها فحمل جديدا هذه المرة وهو التلويح بأن لا
فائدة من المقاومة لأنها لم تقتل إسرائيليا واحدا ، وإنما تسببت في قتل مايزيد عن
الثلاثمائة فلسطيني ، وكأن هؤلاء المجتمعون بيدهم حلا أخر يجلب لنا القدس بدون
إراقة قطرة دم واحدة ، ونحن الذين عودتنا التجارب بأن لا ثقة في كلام أي شخص يمثل
نظاما رسميا عربيا .
إنهم يجندون كل إمكانياتهم لإثناء
المقاومين عن المقاومة ، وكان الأجدر بهم أن يتركوهم في حالهم إذا لم تكن لديهم
..وهذا أكيد.. القدرة على إيجاد بديل يحقق الهدف في وقت معقول ولا أقول سريع ،
فالمقاومة الفلسطينية هدأت الوضع لأكثر من ستة أشهر حسب نصائح الساسة العرب لكن
إسرائيل ظلت تحاصر وتغلق المعابر وتداهم وتأسر وتقتل بمباركة عربية غير معلنة .
أما على المستوى الشعبي يظهر بين
الحين والآخر بعض المثقفين والصحفيين يقارن ما حدث مع مصر بما يحدث في القطاع الآن
، ويقولون لو أن الفلسطينيين فاوضوا واتبعوا السادات ماحدث لهم ماحدث الآن ، لكن
غاب عن هؤلاء أن مصر لم تكن محتلة بكاملها من قبل إسرائيل ، وإن إسرائيل كانت تريد
أن تٌحيد مصر عن الصراع وإن انسحابها من الشريط الصحراوي المصري منا قليلا لإخراج
دولة وشعب كبيرين من بؤرة الصراع معها كما أن أغلب المسيرات والمظاهرات لم تكن
أغلبها عفوية بل كانت بالاتفاق مع الجهات الرسمية ولذلك غابت عنها صفة العفوية
التي تتطلبها الحالة الراهنة ، وأسأل ماذا قدمت هذه المسيرات والمظاهرات والندوات
للقضية ؟ لاشيء على الإطلاق .
قد لا يتفق كثيرون مع نهج المقاومة
المتمثلة في حماس، ربما لنهجها منهجا إسلاميا معينا، يخشاه الكثيرون وهذه الخشية
هي الأمر الوحيد الذي تتفق فيه الأنظمة العربية وإسرائيل وأمريكا مع اختلاف
الأهواء وأهدافها من هذه الكراهية، لكن كان من الأجدى للأنظمة العربية دعم حماس
عندما نجحت في الانتخابات، ألم تكن حكومة شرعية وبأسلوب يطالب به الغرب حتى أعتى
الأنظمة العربية صداقة لهم ، لذلك حتى وإن كانت الأنظمة العربية تختلف مع حماس في
الأمور السياسية أو العقائدية، فإن حماس تقدم عملا يؤرق إسرائيل فإذا لم يكن لديها
قدرة على دعمها فليتركوها وشأنها.
ما كنت أريد الكتابة حول هذه القضية ،
لكن حرقة في القلب وغصة في الحلق أجبراني على هذه الأسطر، مع يقيني بأنني لم ولن
أقدم أنا أو غيري جديدا للقضية الفلسطينية ، وأستطيع أن أؤكد بأن أمر فلسطين في يد
الفلسطينيين أنفسهم ، فإذا كان هناك تحرير سيكون على أيديهم ، وإذا كان هناك سلاما
فسيكون بتوقيع أقلامهم، أما باقي العرب فيستمرون في العويل والصراخ، وندب الحالة
بالأغاني الحماسية، وسيستمر بعض الكتاب والأقلام في إيهام العامة بأن السلام والمفاوضات
خير سبيل، وهم يعرفون أكثر من غيرهم بأن المفاوضات لن تثمر سلاما عادلا لأن السلام
العادل يتحقق بين الأقوياء فقط .
ليبيا كما
يريدها الأشقاء
بداية لست عنصريا ليبياً، ولست ممن
يدعون لقطع أواصر الرحم بينا هذا الجزء وغيره من الجسد العربي أو الإسلامي الذي
يفترض أن يكون كما وصفه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم (جسدا واحدا) إذا أصابت
نائبة جزءً منه شعر كل الجسد بذلك .
وليبيا لم تدخر جهدا في سبيل نصرة
ومساندة ومد يد العون لكل الأشقاء، وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول الوسائل وطريقة
التعامل مع الأشقاء التي قدمت من قبل الدولة الليبية، لكن لا يمكن لعاقل أن ينكر
بأن الدعم والمساندة أمر مطلوب، ورغم أن هذا الوقوف كان في كثير من الأحيان على
حساب مصلحة الشعب الليبي وتنميته وتطويره ، ومن هذا المنطلق يفترض أن يكون مقابل
هذه الجهود الكبيرة والكثيرة محبة واحتراما من قبل الطرف الآخر.
ولأن الأمور لا يمكن لها الثبات ،
والمتغيرات السياسية تفرض على الدول سلوك نهج غير الذي سبق لها انتهاجه لسنوات
طوال لضرورات تحتمها معطيات كثيرة لا يمكن مواجهتها بأسلوب مراحل سابقة، ولذلك
ظهرت من أشقاء المراحل المنقضية التي استغلوها أيما استغلال وبنو مصالح لهم
ولشعوبهم جراء ظروفنا آنذاك، وبعد عدة تغييرات في الواقع المفروض على الساحة
الدولية ، ولأن ليبيا دولة تتأثر بهذه المتغيرات، ويجب عليها أن تتماشى مع ما يحدث
عالميا، وربما بدأت الدولة الليبية أكثر فهما في تعاملها مع قضايا الأشقاء
والأصدقاء، و صارت أكثر حرصا من ذي قبل، حتى وإن ارتفعت مؤشراته في بعض
الأحيان وخفتت أحيانا أخرى .
الأمر المثير في علاقة ليبيا بأشقائها
هو البذل والعطاء دون حدود من الجانب الليبي على مستوى مؤسسات الدولة لنظيراتها في
الدول الشقيقة وخصوصا الجيران، وفي ليبيا دائما اعلامها يسير على وتيرة معروفة في
علاقته بالعرب والجيران، فهو لم يتجرأ ولو لمرة بالنقد للأشقاء، فلم نقرأ أو نسمع
أي جهة إعلامية أو قضائية أو دينية في ليبيا انتقدت حكما قضائيا أصيب به ليبياً في
دولة جارة .
أما
على المستوى المقابل فإن حكما قضائيا نزيها صدر بحق مواطن مصري قتل مواطنا ليبياً
بدون جريرة أو مشكلة سوى أن هذا الليبي الذي تعامل مع المواطن المصري المتواجد
بليبيا تعاملا تجاريا، وكعادة الليبيين عندما يتعاملون لمرة أو اثنتين فأنهم يضعون
الثقة الكاملة بمن يتعاملون معه .
هذا المواطن المصري رد الثقة بنحر
المواطن الليبي في محله وبسكين اشتراها من محل قريب، القضاء الليبي وفر محاكمة
عادلة للمصري، واستمرت القضية لسنوات ولم يتنازل ولي الدم عن حقه وأقيم القصاص
العادل بحق المجرم وهنا قامت قيامة الإعلام المصري ورجال الدين وهم يؤكدون دون علم
بأن القاتل تحصل على عفو من أهل المجني عليه، وذلك في خلط بينه وبين مصري أخر قتل
زميل له مصري الجنسية وفي ليبيا أيضا، وربما تنازل أهل المجني عليه بمصرعن دم
ابنهم وهذا الأخير لم يعدم بعد .
أيضا إحدى القنوات وفي ظاهرة عجيبة
أفردت مساحة زمنية طويلة حول شخصية القاتل مع أسرته وجيرانه والكل يلقي باللائمة
على الدولة الليبية وقضائها دون أدلة وبراهين دامغة، مع العلم بأن هذه القناة
لم تقدم حتى خمس دقائق مع مسئول أو قاضي
ليبي للتوضيح، فهل يريد الأشقاء في مصر وغيرها ليبيا براحا لهم ولمواطنيهم يرتكبون
فيها ما شاء لهم من جرائم قتل وتهريب ومخدرات ثم لا يعاقبون، هل يريدون ليبيا مجرد
إيالة لهم يتكسبون فيها بأي طريقة تروق لهم .
لقد أصبح بحر ليبيا مشاعا للصيادين
لمن نقول عنهم أشقاء وكثير منهم يتعاملون بالهجرة الغير شرعية، وطبعا بمجرد مصادرة
مركب أو اثنين تصب كل وسائل الإعلام غضبها على ليبيا وشعبها، أيضا لا يريدون لليبيا
تنظيم أمر العاملين بها ويحرفون كل القوانين الليبية والقرارات في هذا الشأن بما
يتوافق مع أهوائهم وإظهارنا كظُلام ومجرمين بحقهم .
كما أن حُب أشقائنا لنا وصل لحد الزعل
وتحملينا أوزار حرصنا على تأمين منافذنا ضد مروجي المخدرات، وجالبي البضائع
الفاسدة والغريبة المنشأ، لذلك يجب أن ننظر بواقعية لما يمارسه الأشقاء بكافة
وسائلهم الإعلامية والدينية والسياسية ويجب أن يفهموا بأننا دولة ذات سيادة تحب
الأشقاء ، ويجب عليهم أن يشكرونا على هذا الحب، وأن لا يتدخلوا في أي أمر يهم
سيادتنا ومصلحة المواطن الليبي، وأي إساءة لليبيا ولشعبها ستكون هذه المحبة من
الطرف الليبي على المحك، ولو كان ذلك على المستوى الشعبي على الأقل، إن لم تكن
الجهات الرسمية على نفس القدر من الفهم والقوة للرد على مثل هذه التجاوزات الأخوية
.
ليبيون ولكن ؟
أصبح المواطن الليبي في العشر سنوات
الأخيرة أكثر تأثرا بما تتناوله قنوات الإعلام، وصار الشارع الليبي يتناول كل ما
يهم ليبيا والعرب بل والعالم بناء على رؤى تستقى أسسها بما يقرأه أو يسمعه أو
يشاهده في وسائل الإعلام العديدة.
ومن الغير منطقي أن تمر هذه الأمور
مرور الكرام وأن لا نقف أمامها ونبرزها لأنها تشكل الرأي العام بشكل أو أخر، وأخر
ما تردد في وسائل الإعلام الليبية وغيرها زيارة أحد اليهود الليبيين المقيمين الآن
بإيطاليا إلى مدينة بنغازي التي يقول عنها مدينته التي ولد فيها وعاش فيها، وبحكم
تكويننا الليبي المنغلق فإن الكثيرين لم يهضموا فكرة أن يهودي ما يتكلم عن ليبيا
كوطن له، وطبعا هذه الرؤية لم تأت من الليبيين هكذا فالمعروف عنا أننا شعب طيب
يتعايش مع الجميع وأن اليهود كانوا يعيشون في ليبيا كليبيين حتى قبل أن يطلق علينا
هذه التسمية حيث كانت تسميات برقة وطرابلس وفزان هي الغالبة وكانت الجهة هي التي
تحدد من أنت؟، ثم والحمد لله صارت بلادنا وحدة واحدة بجميع من يسكن فيها.
لنعد لأصل الحكاية، فبعد زيارة هذا اليهودي ظهرت
في الشارع الليبي قصة عودة اليهود لليبيا، وسمعنا أيضا بأن هناك منهم أي اليهود من
بدأ يشير لأملاك ومنازل ومتاجر وغيرها، ومنهم من يقول نريد العودة فقط لوطننا الذي
أحببناه، هذه القضية لابد أن تناقش وبوضوح حتى لا نتفاجأ بها إن حدثت وإن لم تحدث
نكون قد أعطينا مؤشرا مقنعا لعدم حدوثها كدولة أولا وكأفراد ثانيا.
لنتفق جدلا مع اليهود الذين كانوا في
ليبيا بأنهم ليبيين ولهم وعليهم مثلما لليبيين من عرب ومسلمين، لكننا نحن الذين
سبقناهم للوجود في ليبيا واستقبلناهم حينما جاءوا إلى هذه البلاد هربا من طغيان
العنصرية المسيحية في أوربا، ولذلك ستكون لنا عدة اشتراطات، وهي ليست تعجيزية بل
هي إحقاق للحق ولكي نتبين مدى تعاطفهم مع وطنهم الأم إن جاز التعبير، هذه الشروط
تجعلنا نعترف لهم بأنهم من هذا الوطن ولا بأس
من عودتهم وفق الآتي:
أن لا يكون بينهم من اعترف بإسرائيل
وساند النظام العنصري بها وقاتل أخوتنا العرب والمسلمين بفلسطين.
أن يتبرأ اليهود الليبيين الذين لم
يهاجروا لفلسطين المحتلة من هذه الدولة اللقيطة ومن تواجدها على أرض ليست لهم.
أن يطالب هؤلاء اليهود الليبيين إن
كانوا ليبيين الأمم المتحدة ومجلس الأمن بضرورة عودة كل يهودي إلى وطنه الأصلي،
الأوربي يعود لأوربا واللاتيني لقارته وكذلك الأفريقي وكل اليهود العرب من عراقيين
وتونسيين ومغاربة ومصريين.
عدم المطالبة بالعودة لأماكن معينة في
ليبيا لأن من هاجرعام 1948 فهو يقصد فلسطين وتنازل بذلك عن وطنيته الليبية وهؤلاء
جميعهم باعوا أملاكهم أو تركوها بمحض إرادتهم ولم يجبرهم أحد على تركها.
من ترك البلاد عام 1967 أغلبهم تصرفوا
في أملاكهم بطريقة أو أخرى كما أن نظام الحكم في ليبيا كانت علاقاته مع الجالية
اليهودية لا تشوبها شائبة ولم يجبروا على المغادرة لكن الخوف الذي اعتراهم بسبب
بشاعة النظام اليهودي في فلسطين هو من أجبرهم على ذلك، ولا أعتقد أن حادثة واحدة
ضدهم تتخذ ذريعة لتركهم وطنهم ويعمم بها الأمر.
في هذه الحالة سيكون على العرب جميعا
بما فيهم الفلسطينيين ضرورة التعايش مع اليهود العرب بفلسطين، ويعود الأمر لما كان
قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين ثم يترك الأمر لهؤلاء السكان من عرب مسلمين
ومسيحيين وعرب يهود لاختيار نظام حياتهم وحكمهم، بعد أن تخلوا فلسطين من الانجليز
والأمريكان والروس والفلاشا والبولنديين والرومانيين وغيرهم، بهذا فقط يمكن أن
يتقبل أغلبنا مبدأ عودة اليهود الليبيين وأنا متيقن ستبقى هناك أصوات لا تحبذ
عودتهم لكننا قد نستفيد من عودتهم إذا عمم أمر العودة على كل اليهود، فهل سيقبل
اليهود هذه الشروط البسيطة؟ يقينا لا، وأن يفكر اليهود بمصالح غيرهم وهذا أمر هو
الآخر بعيد عن طبيعة اليهود، وعليه سنظل نرفض عودتكم رغم ليبيتكم.
نزلني يا حسن
أغلب المدن الليبية وأغلب الليبيين
تغيروا ، وهذا الأمر ليس حكرا على مدن وسكان ليبيا ، بل حالة تاريخية تصل وتطال كل
البشر حسب مقومات حياتهم العلمية والاجتماعية والسياسية ، ومدينة طبرق التي تغيرت
كثيرا في مجالات كثيرة ابتداء من شكلها البسيط الرائع والمحدود، إلى اتساع مترامي
الأطراف في أغلبه عشوائي ، مع كثرة في عدد السكان بلجوء الكثيرون إليها بداع
وبدونه ، وهذا ليس موضوعنا تحديدا ، هذه المدينة تشارك أغلب مدننا الليبية متاعبها
الكثيرة ، وأيضا هذا ليس ما أنتوي أن أحدثكم عنه، لأننا كثيرا ( ما كتبنا ) عن هذا
الأمر ولا أتمنى أن أقول .. يا خسارة ما كتبنا.. لأنني أولا أحب فيروز ولا أحب أن
أغير معنى كلمات أغنياتها الرقيقة، وثانيا دائما أحمل أملا بغد يختلف ، فقط ما
أخشاه على هذا الغد هو تسرب وتسلل من أفسدوا الأمس عندما كان غدا يستشرفه من عاشوا
الأمس الأول .
طبرق يتمتع سكانها بحضور البديهة ،
وحب الفكاهة ، فكثيرمن مواطنيها ، أطلقوا كلماتهم الضاحكة لدرجة صارت تلك الكلمات
من مأثور المدينة، وفي طبرق صار المثل الشهير الذي يستقي من كلمات مصرية شهيرة
لازمة له ( على مين يا طبرق ) والتي أطلقها أحد الظرفاء في هذه المدينة عندما نظر
إليها من جهة الشرق ، حيث هضبة مرتفعة تطل على طبرق ، فشاهد تلألؤ الأنوار في ليلة
صيفية جميلة ، توحي لمن لا يعرفها بأنها مدينة لا ينقصها شيء من مقومات مدن العالم
، وبما أنه يعرف تفاصيلها جيدا فأطلق كلمته تلك ( على مين يا طبرق ) لتصير مثلا
طبرقيا .
وللطبارقة أيضا فكاهة أخرى خاصة بهم ،
ربما انتشرت في كافة أنحاء ليبيا الآن ، وصارت مثل طرائف جحا تلك الشخصية الضاحكة
والتي يقول جميع العرب في كل الأقطار العربية بأنها من قطرهم هذا أو ذاك ، ويشاركهم كذلك بعض العجم كالأتراك ، والكل
يدلل على أن هذه الشخصية تخصهم وتنتمي
إليهم ، ولذلك صارت هذه الشخصية للجميع ..المهم أنني قرأت وسمعت وتابعت ما أثير
حول تصحيح الامتحانات في العام الدراسي الماضي عن طريق (الكومبيوتر) ، وتابعت ردود
أفعال المعلمين والتلاميذ وكذلك أولياء الأمور وبعض الإعلاميين حول هذه الطريقة ،
من يناصر هذه الطريقة يؤكد أن الكومبيوتر لن يجامل ولن يهادن ولن يعرف الغش
وسيتلافى كل سلبيات البشر .
إلى هنا والأمر في غاية الروعة ، وهذا
يدل على أننا بدأنا ندخل عصر الميكنة حتى وإن كان أخيرا ، مع عدم إغفالنا بأن بعض
المتخوفين لديهم جزء من الحق لأسباب عديدة قد لا يتسع المجال لذكرها، لكن دعوني
أذكركم بفكاهة (عرب طبرق) التي لها علاقة بهذا الموضوع وربما تختزل كثيرا مما قد
نفكر به حول هذه الطريقة الالكترونية وما سيصاحبها من سلبيات ، أو ما سنجنيه من
ايجابيات لها ، فقد تناول سكان طبرق في فترة سابقة ربما تعود لأكثر من عشرين سنة
فكاهة مفادها ، أن طبرقيا سافر لأحدى الدول المتقدمة للدراسة ، وعاد بعد حين من
الدهر ، وأحضر معه إبان عودته سيارة حديثة ومختلفة حيث زودت هذه السيارة بكومبيوتر
ناطق يحذرك عند وجود خطر مادام هذا الخطر في سياق السير والمرور .
بعد عودة هذا المواطن إلى مدينته طبرق
، وكعادة الليبيين جميعا تجمع أهله وأصدقاؤه للترحيب به ، وتحلقوا حول السيارة من
باب الفضول والتأمل ، والكل يفحص ويستكشف كل كبيرة وصغيرة فيها ، ثم وكعادة
الليبيين جميعا ، استأذن أحد الأقارب واسمه حسن في أن يأخذ هذه السيارة في رحلة
أسرية إلى مدينة بنغازي ، وبعد أن شرح له صاحب السيارة كل مميزاتها بما فيها
الكومبيوتر الناطق ، انطلق حسن هذا بالسيارة ، وكعادة الليبيين أيضا ضغط بكامل قوة رجله على دواسة البنزين ، وبدأ
الكومبيوتر الناطق في سرد الأخطار .. أمامك منعطف خطر ..وحسن لايبالي .. أمامك
مطبات وحفر في الطريق .. وحسن مستمر .. أمامك سيارات كثيرة .. وحسن يجتاز وكأنه في
سباق رالي عالمي .. السرعة جاوزت المعقول
.. وحسن يزداد برجلة قوة على البنزين ..أنتبه السرعة ستؤثر على المحرك .. فيزداد
حسن في سرعته ، وتتالت الأخطار وكثرت التحذيرات .. وحسن لا يستجيب .. وهنا وعندما
أحس الكومبيوتر بأن السيد حسن غير مهتم بكل ما ساقه له من تنبيهات وأخطار تحدق به
.. حدث شيء غريب عجيب .. لم يكن مبرمجا في ذاكرة الكومبيوتر الخاصة بالطريق
وأخطارها فقط .. ونطق الكومبيوتر بلهجة ليبية قحة : "أرحم بيك* نزلني يا حس "..!
ولذلك نقول بأن الكومبيوتر عبارة عن
آلة تزود بالمعلومات فإذا كنا نتفهم هذه الآلة ونتفهم طريقة التعامل معها، فستكون
النتائج رائعة، وإذا ما استعملناها بطريقتنا الليبية المعروفة.. فربما ظهرت نتائج
أبناءنا في منظومة هذه الأجهزة ..لتقول لنا .. لم نعرف الناجح من الراسب ورحم الله
والديكم ابحثوا عن غيري ليصحح لكم أوضاعكم.
*(بيك ) تعني أبيك في لهجة شرق ليبيا
وتقال تحببا .
تجسيد أم نهاية
للعرف الجاهلي في طبرق
الفكرة التي تم طرحها منذ عدة أيام من
قبل بعض الفاعليات الاجتماعية بمدينة طبرق والتي يسعى من خلالها بعض المواطنيين
لخلق نوع من التفاهم الاجتماعي وعدم طغيان العنصرية القبلية على الواقع الإداري
للدولة على الأقل في مدينة طبرق والتي تضم في مكوناتها ما يربو عن الخمسة وعشرين
قبيلة وعشيرة عاشت منذ مئات السنيين في وئام ووفاق، لكن طغت عليها منذ عشرات
السنيين النزعة العنصرية والتعصب القبلي مما جعل أغلب إدارات الدولة وخدمة المواطن
تقع ضمن هذه الفكرة وصارت لا تخدم الوطن بل تخدم شريحة معينة وصارت هذه الإدارات
مداولة بين الأكثرية في أسلوب صارت الأحزاب معه أقل ضررا.
ومع كامل تقديرنا واحترامنا لمن تصدى
لفكرة عقد لقاءات تضم جميع الفاعليات وهو أمر كان من المفترض أن يتم منذ زمن أسوة
ببعض مناطق ليبيا الأخرى، إلا أن الفائدة تظل مرهونة في مدى جدية من يقودون هذه
القبائل وأيضا حرص شبابها الواعي المثقف والذي بدأنا نشعر باضمحلاله وحلول محله
ثقافة التهميش لمن لا سند اجتماعي له، ولذلك أي جهد يخرج عن المطالبة بسيطرة القانون
وإبعاد العرف وحلوله عنه نرى أنه جهد لن يقدم شيئا ذا أهمية، لذلك يفترض أن يخرج
المجتمعون بتفاهم مكتوب يتعهد أولى الأمر اجتماعيا به وتوضع ضوابط لمن لا يخضع له
يكون محوره الأساسي أن لا تشريع ولا أحكام تخرج عن الدين والقانون، وأن التصالح
يجب أن يكون وفق قاعدة تطال فقط من هو خارج نطاق المخالفة.
المتابع
للحالة المحلية في طبرق لا يستطيع تفسير بعض نقاط الصلح التي تتم وفق ثقافة غريبة
وبحجج العرف مثلا نجد أن المخالف في الحوادث يخرج بدون ضرر فهو قد يكون مسرعا سرعة
جنونية ويتسبب في أذى البعض وإتلاف ممتلكات البعض وأيضا يصل للقتل ولكن لن يتعرض
لأي عقوبة لأن الزعامات القبلية تجتمع وبعد وليمة غداء أو عشاء ينتهي الأمر وهنا
نجد أن الضرر وقع للإنسان الملتزم قانونا فهو قد يضيع ماله أو ابنه أو قريبه بينما
المخالف يستمر في الحياة وكأن شيئا لم يحدث بل ويكرر جرائمه بدون رادع.
ولكي ندلل على أن الاستهتار الاجتماعي
بالدين والقانون صار شيئا مألوفا فقد تكون واقفا بسيارتك خارج الشارع العام بمتر
أو مترين ويحدث أن يكون هناك شخص أرعن وأهوج أو مخمورا يسير بسرعة أبطال الراليات
ويفقد سيطرته على سيارته ويصل إلى حيث أنت في أمان الله، ويصدم سيارتك ويدمرها
ويحدث أن ينتهي عمره في هذا الحادث الذي هو سببه المباشر، وهنا يأتي دور (عُقال)
العرف وبعد كر وفر واجتماعات مكوكية بين الأطراف العديدة يتمخض الاجتماع بإدانة
المواطن الواقف خارج الطريق لأن وقوفه الصحيح والقانوني سبب موت ذلك المتهور، هل
رأيتم بالله عليكم جهل وظلمات أشد من هذه؟ باعتقادي حتى القبائل الوثنية في مجاهل
الأمازون وغابات أفريقيا ستضحك على جهلنا هذا، أيضا قد تكون جالسا في بيتك ووسط
أبناءك ويتسلط عليك سكير نكير وبعد أن تبلغ عنه الجهات الأمنية ويحجز تأتيك أفواج
الشيوخ والقبائل ويقولون لك أخرج الرجل وبمجرد أن تقول أنه سكير يهددني وأسرتي
يخرجون لك بمادة عرفية حتى أشد خلق الله جهلا لن يؤمن بها وهي إن حدث له مكروه في
السجن سيكون في رقبتك، وتتنازل مضطرا ثم يعاود الكرة فتضطر للدفاع عن نفسك وشرفك
ويصاب بخدوش في جسده، فيأتونك الشيوخ أفواجا طالبين منك الاعتذار بكافة جوانبه
المعنوية والمادية ، فالقاعدة العرفية الظالمة تقول "لأن الدم غطى على العيب
"
ولو استرسلنا فلن تكفينا مجلدات
فالمسئول لا يستطيع إنذار متهاون في العمل ولا معاقبة من ترك العمل، بحجة أن هذا
من قبيلة وأنا من قبيلة وسأصطدم بأبناء عمومته وأقاربه، لذلك أرى أن أي وفاق
اجتماعي لابد أن يقر بأن المواطن لا يمثل قبيلته ولا عشيرته فإن خالف فهناك دين
وقانون ولوائح والدور الاجتماعي فقط يكون للصلح في قضايا كبيرة كالقتل بحيث لا
نتبع مبدأ الجاهلية الحالي في تهجير الأقارب إنما يكون العقاب وفق الدين والقانون
لمن ارتكب الجريمة، أما الآخرين فلا يجب تحميلهم وزر شخص واحد، وأخيرا نأمل أن لا
يكون مثل هذه الملتقيات فقط لذر الرماد في العيون ومن ثم يعود العرف الجاهلي
للسيطرة على بشر لديهم أفضل الأديان وأجمل الأوطان .
عندما تكره أمرا
جميلا
التغيير أمر جميل في الحياة معه لن
يتمكن الملل والضجر من الوصول إليك، فأنت تستطيع بفعل التغيير أن تكون كل يوم في
مكان بحيث لا تسيطر عليك جغرافية المكان وتجعلك أسير لون محدد وطقس محدد وبشر
معدودين، ولهذا دائما ما ينصح الأطباء النفسيين بعضا ممن يصيبهم داء الاكتئاب
بالتغيير، والتغيير أنواع وأشكال يخضع لمعايير معينة مثل القدرة المالية والصحة
الجسدية وطريقة تفكير الإنسان، فهناك من يقضي حياته في قرية لا يستطيع أن يتجول
خطوة خارج حدودها، وهذا النوع من البشر لا تستطيع أن تنصحه بالتغيير لأنه عاش على
هذه القناعة وسيموت عليها، وهناك من لا يستطيع أن يعقد صداقات خارج إطار عائلته
وقبيلته وتجده دائما عنصريا لأهله وأقربائه مهما صدر منهم من فعل شائن ومقيت لأن
الوطن عنده حدود منازل ومضارب القبيلة.
وهناك الكثير يحلمون بتغيير المكان
دائما والسوح في أرض الله الواسعة، لكن يقف عائقا كبيرا أمامهم يتمثل في العوز
المالي، والبيروقراطية الإدارية الليبية من إجراءات سفر ووثائق وغيرها، وهؤلاء لا
نملك أن نقول عنهم شيئا فهم حرموا من السبع فوائد جراء أفعال الإدارة الليبية
الغريبة، ولكن لو بحثنا أمر التغيير على الجانب الرسمي سنجد أن أكثر من يحب ويحترم
هذا الأمر هي الإدارة الليبية، فهي أكثر حرصا على التغيير ولو راجعنا تاريخها
القريب سنجد أن كل يوم تخترع أساليب إدارية متعددة، وتسميات لا تستطيع حفظها من
كثرة تغييراتها، مرت علينا أسماء كاللجان والأمانات والإدارات والهيئات، والبلديات
والمحافظات والشعبيات ولذلك تجد المواطن في حيرة دائما من فعل التغيير، ولذلك
انعكس هذا الأمر على سلوكه فصار كارها لهذا الفعل الذي لم يجعله يستقر في حياته
وبالتالي تجد المواطن الليبي أكثر خلق الله رفقة للأوراق والملفات، فأنت بمجرد أن
تجهز ملفا لأمانة الإسكان وتنهي إجراءاتك بعد جهد جهيد، تجد أن الأمانة تغيرت إلى
مراقبة وبالتالي عليك البدء في تجديد أوراقك فالسيد المراقب لا يقبل أوراقا تحمل
صفة سابقة انتهت منذ ساعات، وهكذا تعود لدوامة التجديد التي تستمر عدة شهورا
وبمجرد أن تتحصل على فسحة لتقديم أوراقك للمراقب، تجد التسمية تغيرت وعليك البدء
من جديد.
لقد كرهناك أيها الفعل (تغيير) وليتنا
نستطيع طمس حروفك من معاجم اللغة ونغير مميزات فعلك هذا لتتوقف إدارتنا الليبية عن
فعل التغيير المستمر.
كنت مخطئا
من لم يمر عليه يوما دون أن يترك فيه
هذا اليوم أثرا جديدا يتعلمه ، أو سلوكا يكتسبه يظل إنسانا لا يفرقه عن الحيوان
الأعجم إلا لسانا يثرثر به لأن الكلام يحتاج لمنطق والمنطق لعقل والعقل لقدرة
يهبها الرحمان لمن يشاء .
نحن بشر نخطئ ونصيب ، وأفضلنا من
يعترف بخطئه ، ومن لا يملك شجاعة الاعتذار ربما لن يفرقه عن حامل الأسفار شيئا
كثيرا ، والاعتذار صفة تربو فوق كل صغار البشر ، فهي أي صفة الاعتذار ملكة لن
تجدها عند الجميع ، لأن البعض عششت في أدمغتهم عناكب وعقارب الوهم وبنت فيها
بيوتها الواهنة ، ولمعتها لهم أفكاراً بأنهم فوق الآخرين مكانا وفهما ، ومن ركب
الغرور رأسه بنى فيه الشيطان عرشا .
اعتقدت لفترة أنني كسبت إنسانا كصديق
رائع ، يملك من الثقافة الكثير ، لأنه دائما يجتر أمامي أسماء كل الكتاب ، ويتلو
على مسمعي مقاطع رائعة لكل روائع الأدب والأشعار ، أحدثه عن الوطن فيسكب حديثه
لوعة وحبا فيه، اشكوا حالة اللافهم واللاوعي التي تسيطر على كثير من إدارات الدولة
المتخلفة ، بسبب تفكير متخلف من متخلفين استغلوا التخلف الاجتماعي ، فأجده يسكب
دموعه لوعة على مايحدث .
بطيبة متأصلة في جذوري صرت أسيراً
لأغلب ما يحدثني به ، وأيقن هو بذلك فصار يمرر غث أفكاره وسواد مآربه كي استقيها
حقائق ثابتة ، وكالطيبين دائما انجررت وراء الكثير منها ، ومع الوقت شعرت بغبار
الحقد يغلف علاقتي ببشر عرفتهم قبل أن أعرفه بسنوات ، بل ربما قبل أن يعرف هو اسم
مدينتنا التي نقطنها ، وكعادة الخير والشر صنوان لايفترقان لكنهما لا يلتقيان ،
ولابد بعد جولات الشر الكثيرة ، وبعد أن يلوث الواقع بآثاره الكريهة ، تأتيه جولات
الخير التي تطغى على كل ماسببه وتمحو عن العيون ضبابية بهتانه العظيم ، وتزرع الحق
شمسا ساطعة لا تغيبها سحب صيفه السريعة المرور.
وكعادة المتلونين لا يعرفون الثبات
على لون ، أو الاستمرار على مبدأ ، بل لايعرفون ماذا قالوا عنك أمس فقد يكررونه
اليوم ، وقد ينسون أنهم مدحوك حينا لأنهم رأوا في ذمك مصلحة آنية لهم ، جاءت القشة
التي قصمت ظهر بعير باطلة الذي لوث به صفاء نيتي الذي رضعته لباء من ضرع هذه
المدينة الغافية بحنو مستمد من عمق التاريخ وأصالة أهلها ، كنا نصارع بعض الخلافات
التي كان من الممكن تجاوزها لو كانت كل نوايا الموجودين تغلفها طيبة أصيلة ، لكنه
وكعادته الآثمة صار يوشوش كشيطان أخرس في عقلي أن لا صلاح مع وجود الجانب الآخر ،
وأخذ يعدد الأسباب والمسببات ويسوق التبريرات ملبسا الباطل ثوب حق غير أصيل ،
وكعادته استعملني أداة لفرض خبثه ، وكعادة الآخرين صمتوا إكراما لي لأنهم يعرفون
مدى طيبتي ويدركون أنني أسير فكرة آثمة زرعت عنوة في عقلي .
هاج الجمع وماج وتعلقت كل الأفكار
ورميت كل الأقلام ، ومزقت الأوراق وتناثر الجمع هنا وهناك ، ونسى نفسه للحظات وقال
كلمة ليست بذات بال في حق الآخرين ، لكي يثبت لي أنه على مبدأ الحق ، لكن من قال
أن من شب عليه لن يشيب عليه ! انسل من أمامي خلسة، وبالصدفة المباركة وقفت أنتظر
زميلا أمام باب أراد الله أن يكون باب الحقيقة، فسمعت همسه.. لست معه، ولا مع
موقفه، ولقد قلت له مرارا أن الجميع سواسية في هذا الأمر، لكن هكذا هو لا يريد إلا
نفسه ؟ نعم أنه صوته اختلست نظره، كان ظهره لي، يحدث أحد الأشخاص الذين صورهم لي
بصورة يظل إبليس معها ملاكا طاهرا.
أرعدت نفسي ، وغيمت عيناي حتى كاد
مطرهما ينهمر ، لكن عقلي حضر بقوة لم أعهدها ، لم أشعره بما فهمت من حقيقته ، عزمت
أمري وأبديت أسفي لنفسي ، ولجميع من لوث بأفكاره السمجة علاقتي بهم ، وصار صفرا
على شمال اهتماماتي ، واعتبرته سقطة سرعان ما نهضت من أثارها ، ودرسا استفدت منه
كما لم استفد من أي درس ، والنتيجة أصبحت أكثر يقينا بأن كلمة آسف لمن استدرجت
للخطأ في حقهم أمر في غاية الروعة ، يحللك من عقدك التي زرعت في نفسك من جراء
طيبتك التي يستغلها ذوي الأفكار السوداء .
فراشية خالتي
مشهية*
أنا هنا لست بصدد عملية نقدية، للممثل
فضيل بوعجيلة الذي شاهدته هذا الموسم في مسلسل بعيد عن خالتي مشهية وقلت حسنا ربما
سيخرج من (فراشية) عمتي مشهية، وللحقيقة خروجه ليس محببا للمشاهدين وأنا منهم فهو
قدم لنا مشهية العجوز الليبية الشرقاوية بلطفها المعهود وطيبتها التي ليس لها
مثيل، وأنا على يقين بأن كل من يشاهد خالتي مشهية يتجسد في ذهنه علاقة حميمية
تذكره بمشهية أخرى، خالته، عمته، قريبته من بعيد،
وإن لم تكن من ذلك كله فجارته بالتأكيد.
المهم حتى هذا الموسم لم يخرج فضيل من
فراشية عمتي مشهية بل عادت به مشهية بفراشيتها تتجول به شوارع سبها عاصمة الجنوب،
يلتقي أو تلتقي بهم مشهية بفراشيتها الليبية الشهيرة وبوشمها المميز الذي اندثر
الآن عن كل وجوه النسوة الليبيات ولم نعد نجد له من اثر سوى خطوط شديدة الوهن على
بعض الوجوه النسائية في خريف العمر.
أعود فلقد شاهدت كل الحلقات التي يقع
عليها نظري صدفة فازدحام القنوات الفضائية وأيضا الارتباطات الكثيرة في شهر الصيام
تجعل من متابعة برنامج بعينة أمرا من دروب الاستحالة، خالتي مشهية تجولت بنا وسط
عاصمة الجنوب كما قلت، واستضافت أناسها الرائعي الخلق ودمثي الحضور، الذين لا
تفارق الابتسامة وجوههم، وكعادة خالتي مشهية تكون الابتسامة هي الطاغية في أخر
الإجابة وعادة ما تلتقط صورا متنوعة مشوشة وبدون ألوان ومهتزة وثابتة وغيرها من
لطائف كلماتها.
في أحدى الليالي الرمضانية وجدتني
أحضر الحلقة من أولها وبعد أن تجولت في مدينة سبها تطرح سؤالها وتبحث له عن إجابة،
عرضت بيت شعر به اسم منطقة (كوس) إن لم تخني ذاكرتي المشوشة، ولا أخفيكم سرا حاولت
أن أصل إلى الإجابة لكني لم أفلح والحمد لله أنني لم أكن أمام خالتي مشهية والتي كانت
ستختار لي كلمة من كلماتها الظريفة وتجعلني أضحوكة، خصوصا أن أهل مدينتي لا ينسون
مثل هذه الأمور بسرعة وربما سيكون اسمي مرادفا لتلك الكلمة.
عرضت السؤال على كثير من أهل سبها،
وجميعهم لم يعرفوا الإجابة، حتى وصلت لشاب صغير وبسرعة غريبة قال أنها منطقة بين
القبة وبيت تامر، اندهشت لتلك السرعة، أيضا قلت في نفسي ما شاء الله كم هو ملم
بجغرافية الوطن هذا الشاب فأنا الذي لا تبعد عني القبة إلا بأقل من الثلاثمائة
كيلو متر وجبت تلك المناطق كثيرا، ولي أقارب في أغلبها، لم اعرف هذه المنطقة، وكلي
يقين بأن كثير من السكان بالمناطق المجاورة لا يعرفون هذه المنطقة، فمرحى لهذا
الشاب.. ولكن يظل سؤال هل لطف خالتي مشهية تدخل؟، أو أوعز أحد فريق العمل بالإجابة
لهذا الشاب؟ الأمر لا يهم حتى وإن كان كذلك، فالقصد أن مسابقة تقدم بهذا الظرف
وخفة الدم، وتقدم معلومة في قالب جميل، فحتى لو ساعد فريق العمل الناس في الإجابة،
فالمسابقة ليست تعجيزا بل تسلية ومتعة وفائدة.
الفراشية جزء
من الزي الشعبي الليبي يشبه " الملاية" المصرية.
فساد لا يشبه
الفساد
حدثني صديقي الذي كثيرا ما يناقشني
فيما أكتب وأنشر ، وأيضا فيما يُكتب في الصحف أو المواقع الالكترونية ، وعلى غير
عادته قال لي ألا ترى معي بأن أغلب من يكتبون عن الحالة الليبية بما فيهم أنت،
تزيدون في الأمورعن حدها الطبيعي، وأن الفساد والخطأ منتشران في العالم من أقصاه
لأقصاه ، حتى أمريكا التي تأتي على قمة العالم تطورا واقتصادا ، تمتلئ بأمور قد لا
نجد تفسيرا لها .
وجهة النظرهذه التي أوردها هذا الصديق
لا يمكن أن نتجاهلها، ولا يمكن أن نؤمن بأن لا وجود لها ، فالعالم كله يعج بالفساد
وبالمفسدين، رغم أن أغلب هذه المجتمعات مصنفة بالأكثر ديمقراطية وشفافية وحرية في
الرأي والصحافة ، ومع هذا قلت لصديقي صحيح ما تقول، لكن اسمح لي بأن أورد لك بعض
الخصوصيات التي لن تجد مثيلا لها إلا في بلادنا، وهو ما يجعلنا نحن من ارتضينا حمل
القلم أن ننبه له كلما وجدنا مساحة نعبر فيها عن قلقنا الدائم جراء ما يحدث في
ليبيا وهمنا الأول والأخير صلاح الحال .
فالخطأ والصواب صنوان حتى وهما لا
يلتقيان ، والصواب هو القاعدة والخطأ هو الاستثناء ، لكن أن تجد الخطأ يقترب من أن
يكون قاعدة فهذا الأمر يجب أن يستثير فينا الهمم لمقاومة هذه الحالة ، فالشعب
الليبي بمجملة يعرف مدى إمكانيات بلاده الاقتصادية ، وهو يحتك بشعوب أقل منه
إمكانيات اقتصادية ، وعندما تجد مواطنا عاديا يقول لك فقط أريد أن أعرف وأفهم ماذا
تريد منا مؤسسات الدولة الرسمية ؟ وتسأل هذا المواطن وتقول له اشرح لي الأمر !
فيعدد لك أمرا عديدة لكنني سأقف عند المهم منها والذي يسهل شرحه وفهمه ، مثلا .. في
جميع دول العالم تحرص الدول على أن تكون الإثباتات الشخصية لدى كل مواطن ويستطيع
الحصول عليها في أسرع وقت ، لكن عندنا تدوخ آلاف الدوخات لكي تتحصل على بطاقة
إثبات الهوية ، وفي مدينة ليبية وهي تحديدا طبرق تجد المكان المخصص لاستخراج
البطاقات الشخصية أشبه بمعتقل من معتقلات العالم في عصور غابرة ، وهناك من
المواطنين يربض أمامه منذ سنوات لاستخراج بطاقة شخصية، وإذا انتقلنا بالأمر
لاستخراج جواز السفر فتجد أعذارا لا تجدها إلا في ليبيا من شاكلة لا توجد خامة ،
المنظومة تعطلت ، عليك بالذهاب إلى بنغازي أو طرابلس .
أيضا عليك بأن تغيب عن عملك في حالة
ما يجد عليك مولودا جديدا ، فيوم أو يومين في المستشفى لكي تتحصل على واقعة
الولادة ، ثم تطارد موظفي السجل المدني وأنت وحظك لكي تستكمل إجراءات تسجيل مواطن
ليبي جديد ، ودعونا نأخذ جولة في حياة المواطن الليبي فهو لابد له من التأخر من
ساعتين إلى ثلاث في أحسن الأحوال كي يؤمن الحصول على أرغفة الخبز ، رغم أن المخابز
المصرح لها أكثر من البشر عندنا في المدن الليبية ، ومن الظريف في إحصائية لمخابز
إحدى القرى التابعة لطبرق والتي قد لا يصل سكانها للألفين توجد بها ستة عشر مخبزا
وطبعا لا يعمل منها أي مخبز فهؤلاء السكان لديهم أدواتهم الخاصة لتحضير رغيف الخبز
، أما هذه المخابز فهي لأناس همهم بيع الدقيق المدعوم .
أيضا نحن الشعب الوحيد الذي نخترق
قواعد المرور في وجود شرطي المرور ، لأن المخالفة الأولى من المخالف الأول ، حدثت
أمام الشرطي الأول الذي لم يتحرك لمخالفة المخالف الأول ، أيضا الضابط الأول الذي
شاهد الشرطي الأول لم يتحرك لمعاقبته ، ووصل الأمر للمسئول الأعلى الأول وصرف هو
أيضا النظر عن الموضوع ، ولذلك صارت هذه الأمور أمرا معتادا .
أتذكر عندما كنا صغارا وفي أثناء
العطلة الصيفية ، كانت إحياء المدينة تخلو من الرجال، والسبب في ذلك أن المؤسسات
الرسمية كانت تطبق القوانين والرجال جميعهم يعملون ولذلك تخلو الشوارع والأحياء
منهم أوان الدوام، ويبقى أن نذكر أننا لا نريد شيئا خارقا ، أو فوق مستوى إمكانياتنا
لكننا نريد شوارع وطرق تسع حركة الآليات ، ونريد مدننا توفر لمواطنيها عيشا
متوائما مع إمكانيات الدولة ، أيضا نريد أمن يطبق القانون فقط ونريد راتبا للمواطن
يعيش معه فوق خط الفقر ، نريد مؤسسات تجد الموظف خلف مكتبه وهو يؤمن بأنه متواجد
لخدمة المواطن ، وهذه الأمور المخالفة الخاصة بنا تجعلنا نؤكد بأن ما يحدث عندنا هو
نوعية خاصة من الفساد الإداري غريب لا تجده حتى في أشد الدول فوضى وتخلف .
10-10 - 2008
موسم الهجرة
للمعارض
شهرت الأقلام ونشرت الصحف وصال وجال
كثيرون دفاعا وتزلفا ، البعض شهر قلمه ضد زميل كتب رأيا ، وأخر جند نفسه متحدثا
باسم مسئول لا حبا فيه ولكن لغاية في نفسه ، سالت دموع الأقلام نفاقا ، تتظاهر
الحروف بأنها لا يعنيها سينا أو صادا ، وأنها تقول كلمتها للحقيقة ، وأي عاقل يعلم
بأن أي سطور تسطر لابد لها من غاية وهدف بما فيها سطوري هذه .
الغريب أن هؤلاء يستطيعون ركوب
الأمواج جميعها العاتية والهادئة ، أوان المد وحين الجزر ، والأغرب أن الجهة
المستفيدة وهي في الغالب مسئولا ذو شأن يصدقونهم ، أو أنهم يعرفون قوة نفاقهم فهم
يريدون الاستفادة مهم قدر الامكان ، يَحير المتلقي في تصنيف هؤلاء فهم في أوقات
كثيرة يشحذون أقلامهم كما السيوف يقطعون ويشرحون بها مؤسسات وإدارات عديدة ، مع
ترك هامش يلعبون فيه لعبتهم ، وهذا الهامش كي لا تطالهم لعنة المسئول أولا ، ومن
ثم يتشدقون بها أمام غيرهم ممن لا يستسيغون أفعالهم ، ولكي لا تصبغ أعمالهم في
الوسط الثقافي أو الإعلامي بصبغة الوصولية الثقافية ، أسماء عديدة كنت أحمل لها
ودا من خلال كتاباتها وهي بعيدة عن دائرة المسئولين والمسؤولية ، وكنت أحمل
لكتاباتها إعجابا خاصا حين كانت تكتب لتكتب فقط .
لكن مع تطورها ووصولها إلى مسافات
قريبة من هامش الأمكنة البعيدة ظهرت طفيليتها ، وبانت حقيقتها فهي تسعى منذ زمن
لولوج مثل هكذا عوالم ، وصار كل همها أن تنال حظوة المسئول أي مسئول سواء كان أولا
أو عاشرا بعد المئة ، ولمن يريد أن يعرف الكثير عن هؤلاء فعليه تتبع ما يكتب عن
وزارة الثقافة في ليبيا قبل حين من موعد المعارض والملتقيات الخارجية ، سيجد من
البعض هجوما مغلفا ليثير الانتباه إليه ، ثم بعد مدة تجده مداحا مجادا، لتظهر بعد
ذلك صورته أو مراسلته ممهورة بمدينة عربية أو أوربية إلى جانب معرض دائم أو مؤقت ،
طبعا ولا أنسى أن من بين تلك الأسماء أسماء لها وزنها لا يمكن أن يستقيم أي وفد
إعلامي أو ثقافي إلا بهم وهؤلاء اعتذر منهم فأنا لا أعنيهم .
نعم هذه مواسم الهجرة للمعارض
والملتقيات الثقافية ، ولا تتعجبوا من وجود أسماء تعزف على كافة الأوتار فهي تنتمي
للمواقع وتنتمي للصحف الحرة والرسمية ، لأن هدفها الوصول وبأي طريقة كانت ولايهم
كم يسيل من مداد مغلف بالنفاق الثقافي ، ولايهم كم قلم يكسرونه على قربان الهجرة
الموسمية لكافة الملتقيات وما يرافقها من تلميع لصورهم الباهتة فإذا كنتم ممن
يستطيعون تقديم قلمكم قربانا على مذبح المعارض والملتقيات فابشروا بفوز قريب .
24-12-2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكـرا لمشـاركتنا برأيـك