16‏/11‏/2016

تغلل منظمة الاخوان في أوربا – ألمانيا نموذجا


منذ نشأة حركة الإخوان المسلمون وهي تحاول أن تشكل اثرا عميقا على الحياة السياسية  والاجتماعية في الشرق الأوسط، وخصوصا في العالم العربي فمنذ ظهور هذه الحركة في عام 1928 شكّلت الأفكار المتطرفة للإخوان معتقدات أجيال من الإسلاميين.
غير أن الاخوان يعتبرون ان الشرق الأوسط والمنطقة العربية، لا تشكل كل حلمهم أو هي كل مساحة خريطة طموحهم السياسي المؤثر، كان طموح حركة الاخوان المسلمين، أن يجدوا موضع قدم في أوربا، وكان لهم هذا حين وصلوا لألمانيا، وبدأت منها حضانة الفكر الإخواني وتطوره السياسي.
بدأ قدوم أعضاء لتنظيم من الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم إلى ألمانيا منذ ستينات القرن الماضي، وأسسوا ببطء وبثبات، شبكة واسعة وجيدة التنظيم من المساجد، والجمعيات الخيرية والمنظمات الإسلامية، ويذكر أن الوضع في ألمانيا على وجه الخصوص يفصح عن إحراز الإخوان المسلمين نفوذاً مهما وقبولاً سياسياً، أكثر من أي مكان آخر في أوروبا.
وبدأت التنظيمات الإسلامية في البلدان الأوروبية الأخرى تحتذي بنموذج نظيراتها الألمانية، وألمانيا على وجه التحديد؛ لما لها من مكانة ذات أهمية كبيرة في أوروبا، ليس بسبب موقعها الجغرافي في قلب أوروبا وحسب، بل لأنها استضافت أول موجة كبيرة من مهاجري الإخوان المسلمين أيضاً، كما أنها تستضيف التواجد الإخواني الأكثر تنظيماً في أوربا.
كان جمال عبد الناصر حازما في تعامله مع جماعة الاخوان، خاصة بعد تصاعد محاولات الجماعة في الهيمنة على ثورة يوليو التي قادها عبدالناصر؛ الأمر الذي رفضه عبدالناصر بشكل قاطع وحاسم، مما أوصل العلاقة بين الطرفين لدرجة المواجهة، وانتهت بمحاولة الاخوان لاغتيال عبد الناصر حادثة المنشية.
مع عام 1954 غادر مصر عدد من أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين فراراً من الاعتقالات، عقب فشلهم في قتل عبد الناصر، وكان معظم أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين سلفاً على ألفة بألمانيا حتي ان مؤسس الجماعة " البنا" كان مغرماً بأفكار هتلر النازية، وتعاون أغلب أعضاء التنظيم مع النازيين قبلاً وأثناء الحرب العالمية الثانية، حتى إن هناك تقارير تذكر أن بعض أعضاء الإخوان حاربوا في فرقة "الخنجر" البوسنية بقيادة "شوتز شتافل" المعروف بـ"ss".
قدمت ألمانياً الغربية ملجأ، ورحبت باللاجئين السياسيين المصريين والسوريين، وغالباً ما كان هؤلاء إسلاميين، وذلك عندما أقامت كل من مصر وسوريا علاقات دبلوماسية مع ألمانيا الشرقية.
سعيد رمضان هو أحد الرواد الأوائل للإخوان المسلمين في ألمانيا، وكان سكرتيراً شخصياً لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، المصري  رحل رمضان إلى جنيف في عام 1958 ودرس الحقوق في كولونيا، وأسس في ألمانيا "التجمع الإسلامي في ألمانيا" الذي أصبح فيما بعد واحدة من المنظمات الإسلامية الثلاث الكبرى هناك، والتي ترأسها من 1958 إلى 1968، كما أسهم رمضان في تأسيس "رابطة العالم الإسلامي".
استغل رمضان العلاقة المميزة مع المملكة السعودية الغنية بالنفط لتجري بين يديه نهراً من المال، استخدمه في تمويل المركز الإسلامي في جنيف و"التجمع الإسلامي في ألمانيا" وتمويل عدد من الأنشطة المالية والدينية، ويعتبر مؤسس الفرع المصري للإخوان المسلمين في ألمانيا.

الشخصية الثانية علي غالب همت كان خليفة سعيد رمضان في رئاسة التجمع الإسلامي في ألمانيا، وهو رجل أعمال سوري يحمل الجنسية الإيطالية، وخلال إدارته الطويلة "للتجمع" 1973- 2002 تنقل همت بين إيطاليا والنمسا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة، وقد بحثت أجهزة الاستخبارات من كل دول العالم طويلاً في صلات همت الإرهابية، فهو أحد مؤسسي بنك التقوى، وهو كيان قوي تسميه المخابرات الإيطالية: "بنك الإخوان المسلمين".
كما اختار الفرع المصري للإخوان المسلمين "ميونخ" لكي تكون قاعدة لعملياته في ألمانيا، بينما اختار الفرع السوري مقرا يقع في "آخن"، وهي مدينة ألمانية تقع قرب الحدود الهولندية، وهي الآن موطن لعدد كبير من السكان المسلمين، بمن فيهم عائلة "العطار" السورية البارزة، وكان أول من انتقل إلى "آخن" من آل العطار هو عصام، الذي فرَّ من وطنه الأم في الخمسينيات عندما كان زعيماً للفرع السوري من الإخوان المسلمين، وسرعان ما تبعه أعضاء آخرون من الإخوان المسلمين، ومع الوقت اتخذ إسلاميون من بلدان أخرى من مسجد العطار "مسجد بلال"، في "آخن" قاعدة لعملياتهم، وهي معروفة جيداً لكل أجهزة المخابرات في العالم، منذ استضافة الإرهابيين الجزائريين المطاردين.
الشخصية الأخرى المهمة في التنظيم بألمانيا، ويعتبر من جيل الشباب هو ابراهيم الزيات هو ابن لإمام مصري يخطب في مسجد ماربورج وأم ألمانية، ومتزوج من صبيحة أربكان بنت أخت نجم الدين أربكان، وقد خلف يوسف ندا احد أهم العقول المالية المدبرة للإخوان المسلمين لرئاسة التجمع الإسلامي في ألمانيا، وتعمل باقي أفراد عائلته في منظمات إسلامية، وبعد وصول إبراهيم الزيات إلى رئاسة "التجمع"، أدرك أهمية التركيز على الشباب "الجيل الثاني من المسلمين الألمان"، وأطلق حملات تجنيد للشباب المسلم في المنظمات الإسلامية، إلا أن تقريراً لشرطة ميكينهايم عن الزيّات يكشف عن علاقته الخطيرة، والسلطات الألمانية تقول علناً إنه عضو في تنظيم الإخوان المسلمين، كما تربط شرطة ميكينهايم الزيات بـ"المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية"، وهو معهد فرنسي يُعدّ أئمة أوروبيين، وفيه يُلقي العديد من رجال الدين المتطرفين محاضراتهم، ويتهم عدد من الوكالات الاستخباراتية المعهد بنشر الكراهية الدينية.
ويأتي التجمع الإسلامي في ألمانيا كنموذج خطير لجماعة الاخوان في ألمانيا، ويعد الكاشف الأساسي للطريقة التي أحرز الإخوان المسلمون بها قوتهم وتنامى بشكل لافت عبر السنين، ويتعاون الآن مع عدد كبير من التنظيمات الإسلامية في ألمانيا، واندرجت تحت مظلته مراكز إسلامية من أكثر من ثلاثين مدينة ألمانية، وتكمن القوة الحقيقية للتجمع اليوم في تنسيقه وإشرافه على عدد من المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية في ألمانيا.
"التجمع" يعد من أقدم المنظمات الإخوانية في ألمانيا، أسسها سعيد رمضان 1958 ويرأسها الآن سمير الفالح خلفا  لإبراهيم الزيات يقع مقره في المركز الإسلامي في ميونخ منذ افتتاحه عام1973.
كان يديره مهدي عاكف المرشد العام السابق للإخوان، والذي يعتبر مقر الفرع المصري لإخوان مصر، الأساس للفرع السوري للإخوان، فقاعدته في المركز الإسلامي في آخن، وانفصل عام 1981 عن التجمع ليحتفظ ببعض الاستقلالية، والتجمع عضو في المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، وكذلك اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا، فضلا عن أنه مرتبط بشبكة مع العديد من المراكز الإسلامية وأهمها في برلين، نورينبرج، ماربورج، فرانكفورت، شتوتجرت، كولن ومونستر، كما يدير التجمع العديد من المساجد والمدارس وينظم سنويا لقاء سنويا للمسلمين الألمان، وينشر التجمع مجلة "الإسلام" بصفة دورية، وتجدر الإشارة أن التجمع يقع تحت مراقبة هيئة حماية الدستور الألمانية وهي هيئة شرطية منوطة بمكافحة الجريمة السياسية في المانيا.
ويحاول الإخوان المسلمون خداع السياسيين الألمان الذين يعتقدون أنهم يستفتون طيفاً عديدا من الآراء، بوجود هذا العدد من المنظمات العاملة تحت أسماء مختلفة، فوسائل الإعلام في ألمانيا تسعى إلى مسئولي المجلس عندما تريد أن تستطلع رأي المسلمين في أي شأن من الشئون، مثل النقاش حول السماح بالحجاب في المدارس العامة.
إن تهديد الإسلاميين لألمانيا يصنعه- بالدرجة الأولى تنظيم الإخوان والجماعات الأخرى المرتبطة به؛ حيث تعمل على نشر وجهات نظر إسلامية في إطار القانون، ومن ثم تحاول إلزام كل المسلمين في ألمانيا بتفسير معين للقرآن والشريعة.
"إن التجمع الإسلامي في ألمانيا يجتهد للهيمنة على المنظمات واتحادات المسلمين في الولايات الألمانية المختلفة، التي تحوز أهمية متعاظمة كأطراف محاورة للدولة والكنيسة، ومن ثم تستطيع توسيع نفوذها داخل المجتمع الألماني".
لتنظيم الإخوان المسلمين في ألمانيا وجهان، وجه عبر خطابه الوسطي والمنطوق جيدا بلغة ألمانية سليمة؛ لذلك لاقى قبولاً عند الحكومة الألمانية ووسائل الإعلام على حد سواء.
والوجه الآخر، عندما يتحدث بالعربية أو التركية إلى أتباعه من المسلمين، ينزع أقنعته ويُظهر التطرف، وبينما يتحدث ممثلوه على شاشة التلفاز عن الحوار المبني على الثقة المتبادلة والاندماج في المجتمعات الغربية؛ تحض جوامعه على الكراهية، ويحذر المُصلين من شرور المجتمع الغربي، وفي الوقت الذي يندد فيه بقتل المسافرين في مدريد، وأطفال المدارس في روسيا يستمر في جمع الأموال للتنظيمات الإرهابية المختلفة.
وتُظهر مجلة التنظيم المسماة "الإسلام" بوضوح كيف أن الإخوان المسلمين الألمان يرفضون مفهوم الدولة العلمانية، ففي عددها الصادر في فبراير 2002- على سبيل المثال- تؤكد أن المسلمين لا يمكن أن يرتضوا، على المدى الطويل، قوانين الأسرة وقانون الملكية العقارية وقانون المحاكمات الألمانية.. ويجب أن يتوجه المسلمون إلى إجراء اتفاق بينهم وبين الدولة الألمانية من أجل محاكم منفصلة للمسلمين وهذا فعليا ضد سياسة الاندماج التي يتشدق بها التنظيم.
ويعود سبب نجاح الاخوان في ألمانيا إلى أن الكثيرين من السياسيين الألمان، غير مطّلعين على الإسلام، ولا يدركون أن وجهة نظر الإسلام وتأويله اللذين يعبر عنهما "المجلس الإسلامي في ألمانيا"، وكما يعبر عنهما "التجمع الإسلامي"، إنما هما وجهة نظر وتأويل الإخوان المسلمين، وليسا خاصين بالإسلام الوسطي.
والسياسيون في أوروبا من كل الأطياف السياسية يندفعون إلى خطب ود هذه التنظيمات كلما ظهرت قضية تمس المسلمين، خاصة عندما يسعون إلى كسب الأصوات المتزايدة في المجتمعات المسلمة المنغلقة.
لقد أسهم التمويل الوافر والمنظمات الكثيرة في نجاح الإخوان المسلمين في ألمانيا، إلا أن قبولهم في التيار العام من المجتمع وصعود نفوذهم دون صعوبات ما كان ليكون ممكناً، لو أن النخب الأوروبية كانت أكثر يقظة، وأعطت للأمور الجوهرية قيمة أكبر من الخطابة والكلام الاجوف، وفهمت دوافع أولئك الذين يمولون ويبنون هذه المنظمات الإسلامية، فلماذا كان الأوروبيون سُذجًا إلى هذا الحد؟




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكـرا لمشـاركتنا برأيـك