يتغاضى العالم بدوله الكبرى والصغرى، وبمنظماته
الحقوقية والأممية عن التفصيل الدقيقة والمسببة لكل هذه الفوضى في الحالة الليبية،
ويحاولون التوجه لغطاء مكشوف تحت عناوين فضفاضة منها، الحوار، والاتفاق، وحكومة
وفاق، ومجلس رئاسي، ومجلس دولة، وانتخابات ، ومراحل انتقالية تتلوها مراحل وهكذا.
بينما المدقق في أسباب تردى الوضع
الليبي، سيجد من الأدلة بدل الدليل ألف، فالحوار والاتفاق عادة يتم بين أطراف
تتلاقي على الأقل في نقطة واحدة، لكن الأطراف المتصارعة في ليبيا تمثل عدة جهات،
منها جهة واحدة شرعية ووطنية، والباقي رغم اصطفافها الآن ضد الجهة الشرعية
المتمثلة في مجلس النواب وقيادة الجيش، إلا أنها ليست على قلب سياسي واحد، وهي في
الأغلب جماعات ذات توجه متطرف تقترب من القاعدة وداعش، وفي أقل الأحوال تمثل تيار
الاخوان رغم عدم اعلان ذلك.
العالم جعل مدينة طرابلس أيقونة الصراع
حين غض الطرف في البداية عن عودة المؤتمر الوطني ( أول برلمان) بعد انتخابات عام
2012 ، رغم أن انتخابات تلت هذا الجسم وأفرزت برلمانا موحدا لكل ليبيا، وتجاهل
وجود حكومة موازية أغلب وزرائها ومن يسيرها هم من ذوي التاريخ الحافل بالارهاب (
جماعة المقاتلة) المرتبطة فكريا بالقاعدة.
ومن هنا بدأت مشاكل ليبيا السياسية
والانقسام الحاد الذي ساهمت فيه دول كبرى على رأسها بريطانيا الداعم الأكبر لجماعة
الإخوان، ثم ايطاليا التي تعتقد بأن لها حقا في ليبيا، لذلك دعمت مليشيات متطرفة
في مدينة مصراته، بل أنها أسست ما يشبه القاعدة العسكرية الايطالية في مطار
مصراته.
على الصعيد الأممي ، صارت منظمة الأمم
المتحدة على نفس النهج، وهو زيادة المشاكل في ليبيا، بمط عمليات الحوار، والوقوف
إلى الجانب الخطأ، ونفذت ذلك عن طريق بعثتها، منذ أيام طارق متري، مرورا بليون
وكوبلر ووصولا لغسان سلامة، هؤلاء المبعوثين، جميعهم يسيرون على نغمة لاشيء خارج
الحوار والاتفاق، رغم هذا فهم لا يعبئون بمخالفات الطرف الموجود في غرب ليبيا، حين
اخترق أسس ومقومات الحوار وما نضح عنه من نقاط في سُمي بالاتفاق السياسي، وأشهر
هذه المخالفات ظهور المجلس الرئاسي برئاسة السويحلي وهذا المجلس متكون من أعضاء المؤتمر
السابق، والذي لم يحضر من المئتي عضو لجلسة اختيار المجلس سوى 30 في مخالفة صريحة
للاعلان الدستوري، وكذلك لبنود الاتفاق.
أيضا صار مجلس الدولة برئاسة السراج
على نهج المخالفات الدستورية والتوافقية التي أشرفت عليها بعثة الأمم المتحدة في
ليبيا، فهو لم يقدم حكومته للبرلمان لاعتمادها، ومع هذا صار وزرائه المكلفين
يمارسون أعمالهم دون شرعية ويتصرفون بأموال ليبيا دون وجه حق، مخالفين القوانيين
وما نص عليه الاعلان الدستوري، وكذلك بنود الاتفاق بعد حوار الصخيرات.
لن يكتب لأي حوار أو اجراء نجاحا يذكر
إن لم يعلن عن ضرورة اخراج كل العوامل المؤثرة في الحالة الليبية ، وأولها
المليشيات والمسلحين خارج اطار الدولة، وكذلك ضرورة الاعتراف الدولي والأممي بأن
لا يوجد في ليبيا إلا جيش واحد يمثله المشير خليفة حفتر، وشرعية تشريعية واحدة وهي
البرلمان الحالي.
وعليه فإن أراد المبعوث الحالي غسان
سلامة النجاح في مساعيه يجب أن يعلن صراحة بضرورة خروج كل المليشيات وانهاء
المظاهر المسلحة في العاصمة من شاكلة ملييشات عبدالحكيم بلحاج وخالد الشريف،
وعبدالرؤوف كارة، وهيثم التاجوري، وأبوعبيدة الزاوي، غنيوة الككلي، والمفتي
المعزول الصادق الغرياني.
يذكر أن تنظيم الجماعة الليبية المقاتلة الذي يقوده عبدالحكيم
بلحاج، تمكن من الانتقال من العمل الميداني القتالي إلى التنظيم السياسي، رغم أنه
يحتفظ بمقاتلين يعدهم لمراحل أخرى وبمساعدة دول غربية في التخطيط، وأموال من بعض
الدول على رأسها قطر وتركيا التي يقيم بها حاليَّا.
بالحاج تمكن من زرع عناصره في مفاصل
الدولة منذ سنة 2011 حتى أصبحت لا تخلو أي وزارة أو مؤسسة سيادية في طرابلس، إلا ويوجد
فيها أكثر من عنصر تابع له.
أيضا نجد "كتيبة ثوار طرابلس"
وهي في الأساس تتبع عبدالحكيم بلحاج، إلا أنه ترك عملية تسييرها لهيثم التاجوري، وتتكون
هذه المليشيا من بعض شباب طرابلس، الذين أنضموا للمجموعات المسلحة بعد سقوط طرابلس
في 20 أغسطس سنة 2011، وهي تسيطر على عدد من المؤسسات الحساسة بالعاصمة.
في منطقة أبو سليم ، تسيطر مليشيا تعرف
بـ "مليشيا غنيوة " نسبة لقائد هذه المليشيا، "عبدالغني الككلي"،
وهو مجرم سابق له سجل حافل في الاجرام ومحكوم بعدة قضايا، حيث هرب من السجن في
بداية أحداث 2011، وتتحالف مليشيا غنيوة مع مليشيا التاجوري، بعد الصراع مع مليشيات
مصراتة التي كانت حليفة له وتدعمه بقوة قبل أن يدب الخلاف بينهما.
يضاف إلى ذلك أن العاصمة تعج ببعض
التشكيلات الأقل عددا، غير أنها مؤثرة بشكل كبير، وتعود هذه التشكيلات لعناصر
ارهابية فارة من مدن الشرق الليبي بعد سيطرة الجيش وانهاء أغلب بؤر الارهاب في
اقليم (برقة)، وهذه المجموعات تتخذ من مزارع واستراحات ببعض ضواحي طرابلس مقار لها
مثل وادي الربيع ، وتشاركهم في هذه المواقع مليشيات مصراتة التي خسرت معظم مواقعها
داخل المدينة، ويقود بقايا مليشيات مصراته صلاح بادي المسؤول عن إحراق مطار طرابلس
العالمي، ويشارك بادي في قيادة هذه المليشيات فرج السويحلي .
لذلك لن ينجح أي حوار أو اتفاق في ظل
وجود هذه المليشيات وما تمتلكه من ترسانة أسلحة وذخائر ضخمة، فهي بمثابة قنبلة
موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، بمجرد أن تتأثر مصالحهم، أو يفقدون مراكزهم،
والغريب هو أن حكومة السراج في طرابلس ، وأيضا مجلس السويحلي يتخذون من بعض هذه
المليشيات قوة حامية لهم، وأيضا يد يضربون بها على أي معارضة ضدهم في طرابلس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكـرا لمشـاركتنا برأيـك