28‏/10‏/2016

حين تحارب أمريكا الإرهاب



المتابع لما يجري في العالم بحجة محاربة الارهاب، خصوصا من قبل الولايات المتحدة، لاشك أصبح موقنا بان أي مكان تأتيه قوات أمريكية، سواء على الأرض أو السماء، لن تتركه هذه القوات إلا وهو أشد دمارا، واكثر فرقة وشتاتا.
ابتداء بأفغانستان، بدأت أمريكا سياسة محاربة الاتحاد السوفيتي عن طريق مساندة مليشيات الأفغان المختلفة، وكانت هذه التجربة مسرحا لإعداد قادة الإرهاب، بواسطة التدريب المخابراتي الأمريكي، واعداد كوادر ارهابية ، هدفها الاساسي العودة لمناطق الاسلام، ونشر فكر متطرف تحت عنوان اسلامي، لأن الغرب ومعهم اسرائيل، يدركون بأن أي محاولة للنيل من سماحة الاسلام وسمو رسالته، لن يكون بالنقد والهجوم حتى المسلح من قبلهم ومن قبل اسرائيل، لأن هذا سيزيد المسلمين توحدا وتماسكا.
إذا الحل "سنخلق لهم اسلاما على طريقتنا" كما قال ضمنا أحد رؤساء المخابرات الأمريكية السابقين، كما أن هيلاري كلينتون في معرض حديثها عن الجماعات الارهابية، والحرب الباردة في أحد لقاءاتها قالت" نحنا ابتكرنا وصنعنا كل المجموعات الأصولية الإسلامية ضد الاتحاد السوفياتي ومن ثم عملنا على تأمين عودتهم الى بلادهم وسنحركهم حين الحاجة".
وبعد افغانستان اختلقت أمريكا هياكل ارهابية في الصومال والسودان وغيرها، وبدأت مع غزوها للعراق في الاعداد لتطوير القاعدة، بتنظيم جديد " داعش" واستغلت أمريكا رغبة الشعوب العربية في التخلص من مآسيها الاقتصادية والحياتية، وتخلف بعض حكامها، ولوت عنق الثورات لمصلحها، ودفعت بكل من دربتهم سابقا للمنطقة.
وها هي أمريكا منذ أكثر من عشر سنوات وهي تتواجد بقوة في العراق، ومع هذا نمى داعش وترعرع تحت بصرها وفي كنف قواتها، ثم بدأت تبث عناصره في المنطقة خصوصا في سوريا وليبيا، وكدليل أن أمريكا لا تريد أحد ينتصر في هذه المناطق، بحيث أنها تدعم هذا الجانب وذاك، وحين تشعر بتفوق أحدهما، ترسل له ضربة ما، أو توقف الحرب لكي لا يتم النصر له تحت حجج كثيرة أهم عناوينها الظروف الانسانية.
في ليبيا قالت صحيفة الواشنطن بوست في تقرير لها عن تدخل أمريكا في مدينة سرت، والتي لا يشكل داعش فيها هاجسا مخيفا، فهي مدينة صغيرة، ولا توجد بها مانع طبيعية محيطة بها، ولا تشكل العناصر المسلحة فيها عددا كبيرا أو عتادا مخيفا، مثل بنغازي التي فاق عدد الارهابين فيها 30 ألف، قاومهم الجيش الليبي بقوة واستطاع في ظرف عامين مسح تفوقهم نهائيا.
يقول تقرير الواشنطن بوست (هذه العملية في سرت التي كان يُظن أنها ستتم في أسابيع فقط قد تستغرق عدة أشهر، ولا يُعرف تماما ماذا سيحدث عندما سيختفي داعش من سرت، كما يقول ماتيو تولادو الخبير السياسي في العلاقات الدولية في المجلس الأوروبي).
هنا يجهز الأمريكان لحرب طويلة تستنزف الليبيين، وتعيد انتاج داعش، وستسمح أمريكا لعناصره بالتوافد لهذه المنطقة لكي لا ينتهي الارهاب في ليبيا، ولن تسمح للقوات النظامية بدخول هذه المدينة، لأن دخول الجيش يعني انتهاء الارهاب من ليبيا نهائيا.
ويستمر التقرير في سوق الأعذار التي لا يمكن لعاقل أن يصدقها، أو تكون مقنعة لي كان فالمخابرات الأمريكية، تحشر أنفها في كل شيء، حتى لو كان في صناديق سوداء، فما بالكم بدولة مثل ليبيا مستباحة من اضعف دول العالم، وبالتالي ليس من المعقول أن لا نجد أمريكا في ظل هذه الفوضى داخل ليبيا.
يبرر التقرير مسألة التأخير ( نزح غالبية السكان عن سرت بعد وصول داعش إليها، وكان يتوقع أن تتسم عملية تحريرها بالسهولة. وبينما بيّن الفرع الليبي لداعش الوحشية نفسها التي أظهرها التنظيم الأم، لكن أعدادهم قليلة، بالإضافة إلى انعدام الدعم من السكان المحليين خلافا للوضع في سوريا والعراق، وبالتالي فإن مصادر تمويلهم محدودة).
ويبدو من هذا التقرير رائحة الخديعة التي جاءت من أمريكا، لقوات مليشيا البنيان المرصوص من مصراته، والتي تدخلت بناء على تشجيع من أمريكا وايطاليا، لكي تقطع الطريق على قوات الجيش الليبي والتي كانت تستعد لدخول المدينة، يقول التقرير (لكن القوات المقاتلة من مصراتة القريبة سرعان ما وجدت نفسها في مأزق بعد بدء عملياتها لتحرير المدينة في شهر مايو).
وتستمر رغبة الحكومة الأمريكية وقوات الأفريكيوم في استمرار الحرب لأطول مدى فنجد في أحدى فقرات التقرير الآتي ( أخبرنا أحد مسؤولي وزارة الدفاع: "ما لم تسوي كل المباني بالأرض، فإنك عندما تعمل هناك عليك القبول بالجدول الزمني للقوى التي تحارب معها. وكان من الصعب الوصول إلى هذا الموقف لأن مقاتلي مصراتة تكبدوا خسائر فادحة، وعلى قواتنا أن تتمتع بالحصافة والدقة.")
وكتبرير لقصف المدنيين ومقتل الأطفال والنساء من عائلات الليبيين في سرت يبرر التقرير ذلك حين يشير إلى أنه ( يبدو أن المتشددين تكيفوا مع الضربات الجوية الأميركية، وبدأوا يظهرون أنفسهم بوتيرة أكبر، ويرى المسؤولون الأميركيون أن بعض النساء والأطفال، ويعتقد أنهم عائلات المقاتلين، قد يكونون من ضمنهم).
وللتجهيز لاستمرار الفوضى لو اضطرت أمريكا لإنهاء داعش في هذه المدينة يذكر التقرير بأن ( ليس من الواضح أيضا من سيحكم سرت بعض القضاء على المتشددين، وهو ما قد يعقّد المرحلة النهائية للمعركة).  
هذا ما تعد له أمريكا، في ليبيا، وهو يماثل ما فعلته سابقا بالعراق، وافغانستان والصومال، لكن شيء واحد يظل هو نقطة احباط هذه السياسة أن الليبيين بدأوا اليوم أكثر قناعة بما يدبر لهم، وحتى مدينة مصراته، التي يتمركز فيها قادة جماعة الإخوان والمليشيات، بدأت تنتفض ضدهم، وبدأت اتصالات مع الجهات الشرعية في طبرق، وقيادة الجيش في المرج، للعمل سويا على تخليص البلاد مما فيه، مما يعطي مؤشرا قويا على أن الجبهة الداخلية، لم تتأثر بما سوقته المخابرات الأوربية والأمريكية لتفكيكها من الداخل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكـرا لمشـاركتنا برأيـك